Tuesday, May 11, 2010

بين صناعة الحدث وإحترام الحرمات.. عيون صحافية تقيم جريمة كترمايا اعلامياً


بين صناعة الحدث وإحترام الحرماتعيون صحافية تقيّم جريمة كترمايا إعلامياً


 الأربعاء 12 مايو2010
نسرين عجب

أجمع عدد من الصحافيين على أن للجسد والموت حرمة أخلاقية، وعلى وسائل الإعلام إحترامها وذلك في استفتاء أجرته إيلاف للوقوف على نظرة الإعلاميين من بث سائر وسائل الإعلام لمشاهد جريمة كترمايا و رأيهم في وقعها على المشاهد.
عادة نتابع العنف في الأفلام، وبعد الساعة العاشرة ليلاً حيث يفترض أن يكون الأطفال نيام. ولكن هذه القاعدة انقلبت منذ بضعة أسابيع على محطات التلفزة اللبنانية حيث كان المشاهدون على موعد مع بث جريمة فظيعة في مطلع أخبار الثامنة.
البعض حذّر من هول المشاهد التي ستعرض والبعض الآخر موّه تلك المشاهد. ولكنهم عرضوها، من دون أن يحسبوا ما قد يترتب على ذلك. بغض النظر عن الجريمة وما تعكسه من واقع مجتمع ما، ومن دون الدخول في دهاليز حق الأهالي في ارتكابها أو خطئهم، هل من المنطق تنفيذها أمام أعين أطفال كترمايا ومن ثم عرضها أمام ملايين الأطفال غيرهم؟ وهل كان الاعلام صائباً في قرار عرضه لتلك المشاهد التي روعت الكبار، فكيف بالصغار؟
ايلاف استفتت مجموعة من الصحافيين الشباب حول ما حصل، ومعظهم أجمع على أن للجسد والموت حرمة أخلاقية، وكان على وسائل الاعلام احترامها. وتروي نبيلة (صحافية لبنانية تابعت الموضوع) ما قاله لها طفل في السادسة من عمره انه لن ينسى ما رآه طوال حياته، مشيرة الى قوة التأثير السلبي لهذه المشاهد العنفية على الأطفال. أما عن الجريمة بحد ذاتها، تقول باستهجان: "كنا أمام رائحة العنف والاجرام في الكلمات التي يشرح بها الأهالي ما حدث. هم يبررونها لأنهم رأوا ماذا حدث مع الاطفال ولكن هذا شيء غير مبرر". وتعتبر نبيلة أن عرض جريمة قتل المصري على الشاشات غطى على الجريمة التي اقترفها بحق أبناء البلدة، وتسأل بغضب: "هل كان يجب أن تعرض كل هذه الفظاعة حتى يتحرك المجتمع، أم كان يفترض بالمجتمع أن يتحرك بمجرد حصول الجريمة الاولى؟"


وترى منى، وهي أيضاً صحافية لبنانية، أن الشعب اللبناني أصبح مشبعاً بالمشاهد الدموية، "لدرجة أننا استرخصنا دمنا". وتشير الى أن على الاعلام مسؤولية كبيرة وكان يجب الا يضع هذه المشاهد، "فالشعب لا ينقصه غضب، لا ينقصنا دم أو مشاهد عنفية، علينا أن نقرر بعقلنا ماذا يجب أن نفعل وليس بانفعالاتنا". وتعتبر أن ما حصل هو اعادة تمثيل للجريمة واستغلالها اعلامياً "وكأننا كإعلاميين شركاء فيها". وتتابع بانفعال واضح: "هناك اطفال وحساسية مشاهد، وحرمة للشخص الذي قتل. تخيلي ان لم يتسرب هذا المشهد العنفي على التلفزيون الى الناس، فكان سيساوى بين الجريمتين ولكن استغلال الاعلام لشريط الفيديو الذي صوره أحد الأهالي، ذهب بوقع الجريمة الأولى".
بث الاعلام لجريمة كترمايا أدى الى تأجيج مشاعر الغضب والنقمة، خصوصاً في الشارع المصري. وفي هذا الصدد، يعبّر هشام، صحافي مصري، عن اعتقاده أن وسائل الاعلام وقعت في خطأ اعلامي وهو انحياز السرعة "فلم يجازف الكثيرون بالانتظار للتأكد من جميع اطراف الحقيقة أو مراعاة ما يجوز عرضه ونشره وما لايجوز خوفاً من ضياع السبق الصحفي، والدليل على ذلك ان احدا لم ينشر صور ضحايا الجريمة الاولى الجدين والحفيدتين، رغم ان هذه المشاهد اكثر دموية. ويعتبر هشام أنه لو تم بث الجريمة الاولى بنفس الطريقة لما تعاطف الرأي العام مع الشاب المصري الذي ثبتت إدانته لاحقاً.
من جهته يرى أكرم، وهو صحافي مصري ايضاً، أن ما حدث في كترمايا هو مؤشر عن تراجع دولة القانون، حيث يترك للأفراد تطبيق القانون بمعرفتهم ومن ثم العودة إلى شريعة الغاب. أما عن عرض الفيلم، فيقول انه كان يتمنى لو لم يتم عرضه لأنه يشكل وثيقة أليمة يمكن استرجاعها ليس فقط في الذاكرة وإنما أيضاً صوتاً وصورة، الأمر الذي سيترتب عليه إعادة تأجيج المشاعر عند رؤيته مرة أخرى. وكان يفضل لو استعيض عن ذلك بوصف الجريمة من دون صور أو فيديو، وبتسليم الفيلم الى الجهات المعنية بالتحقيق كي يساعدها في تحقيقاتها. الا أنه يعلّق: "مع أني أسلّم بأنه على المستوى الواقعي هناك صعوبة في عدم نشر الفيلم وتسليمه فقط لجهات التحقيق، اذ سيتم تسريبه وبالتالي نشره من باب السبق الصحفي".

بعيداً عن الطرفين المعنيين بالموضوع، أي اللبنانيين والمصريين، كيف يقرأ صحافيون عرب آخرون ما حصل. محمد، صحافي يمني، يقيّم التغطية الإعلامية بالهامة جداً من مبدأ معرفة ما جرى وليس من جانب الأحكام التي أطلقتها وسائل الإعلام، فبالنسبة اليه، المشاهد والقارىء لهما الحق في الحكم على ما حدث أو يحدث، ولكن جريمة كترمايا باتت ملتبسة من حيث الإسم، هل هي الجريمة الأولى أم الثانية؟ ويعتبر أن بشاعة الجريمة الأولى التي قام بها الشاب المصري توزاي الكثير من الجرائم التي تحصل في أحياء وبلدان العالم، الا أن الجريمة الثانية، أن يقوم اهالي قرية كاملة بالتنكيل بشخص يفترض أن يحاكم وينال عقابه عبر المؤسسات المختصة، فهي أكثر بشاعة.
ويعتبر محمد أن الإعلام العربي عموماً، بما في ذلك الإعلام اللبناني، لا يزال غير قادر على الفصل بين العمل المهني الخالص والتحيز العاطفي والقطري والديني، "وان كانت هذه سجية إعلام اليوم عموماً إلا أن الإعلام العربي يتمادي كثيرا".
يذهب هشام، صحافي عراقي، أبعد من هذا التوصيف للاعلام العربي، ويقول بحنق: "عرض مقتل الشاب المصري على الفضائيات يجب أن يؤجج المشاعر ضد ثقافتنا الفاسدة المتجذرة في تاريخ الأمة. هذا الواقع يتكرر مراراً، ولكننا لا نرى منه سوى الذي يعرض عبر الإعلام. ويشبّه طريقة مقتل الشاب المصري بطريقة مقتل الفتاة العاشقة دعاء، "وهم متشابهون مع آلاف الضحايا في التاريخ. وهذا كله لا يعني أن المصري لم يكن مخطئاً بل كان وحشاً يستحق أقصى أنواع العقوبات التي يعرفها الإنسان، ولكن قانونياً. وليس أن يتم علاج الخطأ بأقبح منه".


خلافاً للكل، يؤكد حسن، صحافي لبناني، أن الاعلام أحسن في عرض تفاصيل الجريمة، انطلاقاً من مبدأ أن دور الاعلام اعلام الناس بما يحصل. ويشدّد: "أنا ضد أن يخفي الاعلام أحداث بحجة السلم الاهلي وعدم تأجيج الطائفية"، بناء على أنه يجب معالجة هذه المسائل في أساس وجذور مشكلتها. وعن جريمة كترمايا يقول ان الاهالي كان يجب أن يمنعوا الجريمة من الحدوث قبل أن تصل الى الاعلام ولكن متى ما حصلت "يجب أن تبث ويعلن عنها".
في الخلاصة، أول المبادىء الاعلامية التي يتعلمها الصحافي في كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، أنه ليس كل ما يعرف يقال، فالاعلام دوره اعلام الناس بما يحصل من دون أن يكون فتيل فتنة. لكن للأسف جريمة كترمايا ليست القضية الأولى التي يشبعها الاعلام استغلالاً، فالاعلام كان على مدى السنوات القليلة الماضية بوقاً للفتنة والتفرقة بين اللبنانيين. مما يطرح تساؤلاً الى أي مدى يقوم الاعلام اللبناني بالدور الحقيقي المنوط به؟ اشكالية تحتاج وقفة نقد ذاتي من قبل القيمين على الوسائل الاعلامية.



http://www.elaph.com/Web/news/2010/5/560254.htm

No comments:

Post a Comment