Thursday, August 30, 2018

تطهير الفساد.. يبدأ من الأعلى!


"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"... كم ينطبق هذا القول لأحمد شوقي على واقعنا اللبناني، الذي يسير بنا إلى الحضيض الأخلاقي والاجتماعي وحتى الإنساني. انتشر مؤخراً خبر توقيف مدير مكتب حماية الآداب بتهمة الاتجار بالبشر. وكان سبقه قبل بضعة أشهر توقيف مديرة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتهمة فبركة ملف أمني على خلفية "ثأر" شخصي. 
لما وصلنا إلى هذا الدرك؟ لأن الفساد مستشري في الطبقة الحاكمة. لو كان رأس الهرم نزيهاً لخاف من هم في درجات أقل منه من العقاب، فبأي عين سيحاسب المذنب؟ ذلك الفساد، الذي بات على عينك يا تاجر، في السلطة الحاكمة يشجّع بقوة القيادات على مستوى أدنى بالتجرأ حتى على المس بمقدسات وظيفتهم وهو ما أدى إلى انتشار ثقافة الفساد كأمر واقع... 
حتى على المستوى الشعبي الاجتماعي، بات هناك تعريفات ملطّفة للنصاب مثلاً: "شاطر عرف يضبط حالو"! 
ما يحصل مؤخراً في لبنان أعاد إلى ذاكرتي تجربتين عايشتهمامنذ سنوات. الأولى مع شركة عائلية كانت رابحة جداً على زمن إدارة الأب قبل أن يتقدم في السن، ولكن بعد تقاعده بدأ أبناؤه بالتناوب على إدارة هذه الشركة وتشغيل الأقسام فيها، وهكذا بدأت بالتراجع حتى وصلت إلى حافة الإفلاس... وهنا بدأت الفضائح! كل إبن من الأبناء كان يعتمد وسيلة للسرقة من الشركة، من شركته بحسب المنطق... في هكذا حال قد يكون عادياً أن يسرق المدير، فلا أحد يعلوه مركزاً ليكشفه أو يحاسبه، ولكن المفارقة كانت في ما كان يفعله إخوته الذي يشغلون مناصب أقل سلطة، بحيث روى العمال كيف كانوا مثلاً يسرقون المازوت من مولدات الكهرباء التابعة للشركة، وكانوا يأذنون لهولاء العمال بسرقة ما يريدون، وما كان يتبقى عن حاجاتهم كانوا يبيعونه! فلنتخيل المشهد، شخص شريك في مؤسسة يسرق نفسه وليغطي على سرقته يشجّع الشهود على السرقة! أمر غريب حقاً، ولكن ذلك هو حالنا في ما اصطلح على تسميته "الدولة اللبنانية"، فمن سيحاسب اذا كان رأس الهرم، أي السلطة، فاسدة على مقولة "حاميها حراميها". 
الواقعة الثانية التي استعادتها ذاكرتي ما رواه لي أحد الزملاء عن فتاة كانت تعمل في مكتب قريب من عملنا في ذلك الوقت، وكان واضحاً عليها أنها متورطة بأشياء مشبوهة تبدأ بالسرقة وقد لا تكون تنتهي بالدعارة. وبحسب الحادثة التي رواها لي زميلي بأن تلك الفتاة ضبطت بالجرم المشهود، دعارة وتعاطي مخدرات، الا أنها لم تبت حتى في الحجز، اتصلت بمسؤول أمني رفيع المستوى وخرجت! نعم هكذا تسير الأمور في بلدي! في بلدي، تزداد حالات السرطان بمعدل ينذر بالخطر، بحسب تصريحات وزير الصحة السابق، وعلى مقلب السلطة تُعقد صفقات مشبوهة بمليارات الدولارات لشراء "محارق للنفايات" من دون أي دراسات لتقييم الأثر البيئي لهذه المحارق. علماً أن الكثير من الدراسات العلمية تؤكد على الارتباط بين انبعاثات محارق النفايات وتفشي السرطان. 
هذا غيض من فيض في جشع السلطة والمال في بلدي حيث الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً! 
يقول "لي كوان يو "تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى إلى الأسفل"، وذلك يختصر الحلّ لبؤرة الفساد التي يتخبط فيها لبنان، لا بد للتطهير أن يبدأ من أعلى الدرج! أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه