Monday, September 24, 2018

أطفال سوريا.. عمّال الملاهي

"عمري 10 سنين وأنا بشتغل بالحمامات هونيك بس أوقات بجي بساعدهم هون"... هكذا أجابني الطفل السوري الذي كان يشغّل إحدى الألعاب في مدينة الملاهي... استوقفني جداً صغر حجمه،وضايقني كيف أنه بهذا العمر الصغير يعمل في المكان الذي يقصده الأطفال ليرفهوا عن أنفسهم.. لم أستطع مقاومة الإلحاح في داخلي للتحدث اليه.
مع أنه لم يتسنى لي التحدث إليه مطولاً، ولكن كان مهماً بالنسبة لي أن أسأله اذا كان يتعلّم فأجاب بالايجاب، وجوابه أراحني... لاحظت بعض العدائية في تعاطيه مع الأطفال الذين يركبون لعبة فناجين الشاي التي يشغّلها، كنت أود أن أسأله عن شعوره وهو يرى الأطفال يتناوبون على الألعاب التي يشغّلها هو ويطفؤها هو... كنت أوّد أن أسأله هل هو سعيد، بماذا يحلُم، كيف يرى الغد!
لكنه ذهب قبل أن يتسنى لي أن أسأله حتى عن اسمه، وما هي الا لحظات حتى جاء طفل أكبر منه بقليل، لا أدري ما الذي جعلني أتكهّن أنه أخاه، وكان تكهني صائباً... سألته عن عمره،واذا به يكبر أخيه بثلاث سنوات. حاولت أن أفهم منه لماذا يعمل،واذا كان ذلك لأن والده غير قادر على إعالتهم، أعطاني جواباً مبهماً بأنه يحّب أن يعمل في الصيف. أردت التأكد اذا كان يتعلّم فجاء جوابه مفعماً بالفرح وبصوت أعلى، نعم تسجلت في المدرسة.
الأسماء ليست سوى علامة ولكن لا أدري لما بالفطرة دائماً يكون عندنا الفضول لمعرفة اسم الشخص الذي نتحدث اليه، وهذه المرة سألت مبكراً عن اسمه، جاء الجواب محمد. وأخاك؟ فريد. أخبرني محمد أنهم من إدلب، وكان مبتسماً وهو يخبرني. وعندما سألته عن حال إدلب، وإن كانت الحرب لا تزال دائرة فيها، هز رأسه والابتسامة لا تفارق ثغره، نعم.
استأذنته "فيني صورك"؟ صمت ولم يجب... توقعت أن جوابه يعني النفي، فسألته مره أخرى، فقال "على عيني"... وقف جامداً وهو ينظر إلى عدسة هاتفي، وبعد أن التقطت صورتين، قلت له يبدو إنك لست سعيداً، فابتسم للكاميرا لألتقط له صورة أفضل! بحثت عن فريد لألتقط له صورة أيضاً، ولكني لمحته من بعيد قرب الحمّامات حيث يداوم، وعاد واختفى عن ناظري قبل أن أصل إليه!
قصتي مع فريد انتهت هنا. خرجت من مدينة الملاهي وأنا أسأل نفسي اذا كانت معاناة هؤلاء الأطفال تقتصر فقط على هذا العذاب المعنوي، أن يعملوا حيث يفترض أن يلهوا.. أن يروا الفرح في عيون الأطفال والشقاء بارز في عيونهم... تساءلت أيضاً عن كم المشاكل النفسية التي ستربى معهم وترافقهم حتى يصبحوا رجالاً... هل سينتبه أحد لها؟ وهل سيساعدهم أحد على تخطيها؟
في كل دول العالم، الأطفال هم على سلّم الأولويات، إلا في بلداننا العربية... الكبار يخوضون الحروب والأطفال هم أكثر من يدفعون الثمن!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

Wednesday, September 12, 2018

البيئة لا تحتمل كيديات... البيئة حياة!


"البيئة ترف"... كثيراً ما كنت أسمع هذه العبارة أول عهدي مع الصحافة البيئية، تلك الصحافة التي كان الناس يعدّونها للمترفين فقط، وشاءت الظروف أن أبدأ مشواري المهني بها
خلال ثماني سنوات من الخبرة مع الصحافة البيئية، بين المطبوع والمرئي والمسموع، كانت لي الفرصة أن أعمل عن كثب مع أولئك "المترفين" الذي يحبون البيئة ويدافعون عنها. تعلمت الكثير من المختصين منهم، وأدركت كم الوسائل الموجودة أمام السلطة لحلّ الكثير من المشكلات المتأزمة، ولكن لم يؤخذ بأي منها
كان يستفزني جداً التعاطي مع وزارة البيئة على أنها وزارة هامشية تعطى كجائزة ترضية لأحد الأطراف السياسية. والمستفز أكثر أنه في كل الوزارات التي تعاقبت، كان الوزير أبعد ما يكون عن فهم أي شيء يتعلق بالبيئة، علماً أنه علمٌ يحتاج إلى تخصّص أو بأقل تقدير إلى إلمام.
ومع الوقت عاد علينا إهمال البيئة في لبنان بالتلوث والأمراض... عاد بالموت، وما زالوا يعتبرون البيئة ترف، مجرّد رحلة تمويه عن النفس في الطبيعة، للمترفين!... لا ليست كذلك، البيئة هي حياتنا!
آخر الغيث في التعاطي السياسي مع البيئة، قرار وزير البيئة الحالي بإقالة أحد الموظفين الأكفاء من منصب حقق فيه الكثير. نعم وزير البيئة الذي غرقنا بنفاياتنا في عهده أخذ قراراً، بخلفية الكيدية السياسية بإقالة موظف شهدت شخصياً على كفاءته المهنية! في الوقت الذي معظم السياسيين، كل من موقعه، يدمّر بيئة لبنان وصحة اللبنانيين وحياتهم، هذا الموظف عمل بجهد وساهم بنجاحات مهمّة على صعيد المحميات والسياحة البيئية بلبنان حتى وصلت الأخيرة إلى العالمية، وهكذا لكيدية سياسية بين طرفين متقاتلين، يُقال من منصبه! لم يفكّر أحد بكفاءته؟
هذا القرار أعاد إلى ذاكرتي حادثتين حصلتنا معي أثناء عملي، إحداهما مع وزير طاقة أسبق كان على خلاف سياسي مع المحطة التي كنت أعمل بها، والثانية مع مقربين من التيارالسياسي التابع للمحطة.
الحادثة الأولى كانت في إحدى المؤتمرات الصحافية لوزير الطاقة آنذاك، وكان يتحدث فيها عن عنتريات "واهية" لحلّ أزمة الكهرباء. وقتها، وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي، اقتربت من الوزير لأساله لمّا لا يُستخدم غاز الميثان المنبعث من مطمر الناعمة في توليد الطاقة، وهكذا نساهم في حلّ المشكلتين المتأزمتين، النفايات والكهرباء.. إلا أنه رفض التحدّث إلى الكاميرا، ولنبقى على تعبير لم يكن لطيفاً في الرفض! وقتها انزعج زميلي، مهندس الصوت، وقال له بصوت عال "زعجك اللوغو".. أي لوغو المحطة، فلم يعلّق... انتهت الحدوثة هنا، أما مشكلة النفايات والكهرباء فلا تزال فصولها السوداء تتوالى!
الحادثة الثانية على المقلب السياسي الآخر. بعد شكاوى عدة من أبناء بلدة الناعمة والقرى المحيطة بها قررت أن أعمل على انتاج حلقة تلفزيونية عن مطمر الناعمة، ولأن المسؤولين عن المطمر كانوا مقربين من المحطة التي أعمل بها سُمح لنا أن ندخل بمعداتناوالتصوير في الموقع، علماً أن ذلك لم يكن مرحباً به لوسائل الاعلام. وقتها طلبت من خبير في الصحة والسلامة البيئية منالجامعة الأميركية في بيروت أن يرافقنا، وبعد تصوير الموقع وما يحصل بداخله، أجريت مقابلة مع الخبير، وحدثني عن كم الملوّثات والضرر الناتج عن المطمر... أذكر وقتها كيف دلّني إلى انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن تخمّر النفايات، ومع أنها يمكن أن تكون نعمة كهربائية، ولكن في حالة المطمر كانت خطر داهم لأنها كانت تطلق في الهواء ولم يكن يُعرف متى يمكن أن تنفجر.
ولإعطاء الرأي والرأي الآخر، طلبت مقابلة من إحدى الدوائر الرسمية المسؤولة عن المطمر، وخلال المقابلة صرت أشرح للمهندس المسؤول عما رأيناه وما قاله الخبير... أذكر وقتها قال لي غمزاً "نحن على نفس الموجة" وكان يقصد أن كلانا يعمل في مؤسسة تابعة لنفس التيار السياسي، فأجبته "ذلك لا يهمني، ما يهمني حقاً هو حياة الناس المهدّدة بالخطر"... ذلك كان كفيلاً بأن تبلّغني الإدارة، بعد اتصالات وردتها، بوقف عرض الحلقة قبل بضع ساعات من موعد بثّها!
سنوات مرّت على هاتين الحادثتين وعلى تركي العمل في الصحافة البيئية، ولكن اليوم أشعر بنفس الضيق الذي شعرت به وقتها، لم يسأل أحد من المسؤولين عن صحة الناس وسلامتهم، وما زلنا على هذا الحال بل وأكثر، أصبحنا نتخبط في واقع الكيدية السياسية
نعم السياسيون في لبنان مصرّون على أخذنا الى الحضيض، بمحاصصاتهم وصفقاتهم المشبوهة، واذا صودف وجود موظف كفوء يُقال من منصبه تنفيساً للكيدية السياسية... نحن كمواطنين لا يهمنا لمن ينتمي هذا أو ذلك، ما يهمنا أن يكون لدى أولئك المتحكمين بالبلد بعض من الانتماء للوطن!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
https://elaph.com/Web/Opinion/2018/09/1219217.html