Tuesday, May 11, 2010

جفرا".. بساطة تجذب بقوة



"جفرا".. بساطة تجذب بقوة
الأربعاء 14 نيسان 2010
نسرين عجب
"الغروب عايزين يروحوا جفرا"، يقول هشام من مصر. ويعلّق: "ذي منطقة هايلة فيها قهوة ومطرب بيعزف على العود.. وكتب قديمة جداً لا تجدونها في اي مكان آخر... كمان أكلها حلو جداً أنا عايز آكل هناك، بلاش العشاء في الفندق.. يلا بينا". "الفريق" فضّل أن يأخذ عشاءه في الفندق وينطلق، مفاوضات ومفاوضات، لننتظر فلان وفلانة ومن ثم هناك فلان سيأتي معنا ايضاً.. الى أن اكتمل النصاب. ومشى الفريق باتجاه جفرا. سيارة أجرة وثانية وثالثة، الثلاثة باتجاه جفرا.. على الطريق عين تراقب: تشبه بيروت أو لا تشبهها؟ تشبهها... لا لا تشبهها.. انها عمان ولها هويتها الخاصة. هذا شارع الراينبو يشرح سائق التاكسي، هذا الشارع كان قديماً فقط ليتمشى عليه الناس ولكن كان هناك اعتراض على ذلك فتقرر أن يتحول الى طريق سيارة. ولكن في هذا الشارع ما يعطيه طابع الحياة بلا سيارات، فهو مرصوف بطريقة تشبه شوارع وسط بيروت حيث لا يسمح للسيارات أن تمر. اذن هو أجمل في طابعه القديم ويليق به أكثر. "وصلنا"، تعلن آلاء، شابة اردنية، هذه جفرا.. اين بقية الفريق؟ ربما سبقونا الى القهوة.. هذا دكان الـ DVD الذي قال عنه هشام"، تشرح آلاء، دكان يبيع أفلام الفيديو بأسعار زهيدة، كل DVD بـ دينار.. يا بلاش كما هو الحال في صبرا في لبنان.. نعم انها قرصنة ولكنها رائجة وبكثافة. الى اليمين من دكان الـ DVD ممر صغير بدت عليه ملامح القدم. "هذا حمام عربي"، تشير آلاء الى باب على اليمين قبل أن تصعد درج قديم جداً يبدو عليه الاهمال.. وصلنا.. تسأل شاباً يعمل في القهوة: نريد طاولة لـ 12 شخصاً. "هم لبنانيون واردنيون ومصريون"، تشرح أميرة. "أنت مصرية"، يرحّب الشاب بلهجته المصرية وهو يرشد المجموعة الى الطاولة التي جلس عليها من سبقوهم. المكان هو عبارة عن قهوة متواضعة ولكن فيها الكثير من الاشياء الثمينة بقيمتها المعنوية، في مقابل المدخل حائط عليه صور بالأبيض والأسود أبرزها للشاعر الراحل محمود درويش. الثريات قديمة جداً، أما الطاولة التي تقدم عليها الطلبيات فهي عبارة عن أغصان أشجار تسلق فوقها لوح من الزجاج.. روائح دخان النراجيل تعبق في المكان يتناغم معها صوت مطرب يرندح أغاني في غالبيتها العظمى لبنانية. القهوة ممتلئة بوجوه تبتسم لبعضها البعض، رجال وشبان وفتيات، معظمهم ينظر بعين الاستغراب والاستفسار عمن يمكن أن يكونوا هؤلاء الذين يبدو أنهم غريبون عن المكان ولكن منسجمين فيه. كاميرات وفلاشات تضيء وتنطفىء، الكل يريد أن يأخذ تذكار معه من هذا المكان وهل أجمل من الصورة تذكار؟ تنادي آلاء على أعضاء المجموعة، تقودهم الى غرفة تراكمت فيها الكتب فوق بعضها البعض، كتب بان عليها القدم من لونها الاصفر، وعلى مدخل هذه الغرفة مجموعة من المقتنيات القديمة التي تعطي المكان زمناً في التاريخ. البعض قصد المكان بهدف الأكل والبعض الآخر قرر أن يختار شيئاً آخر وفي الغالب الشاي، ففي هذه القهوة ما يجذب رائدها الى طلب الشاي، فمن جهة الشاي دافىء في جو تشريني ومن جهة أخرى "القهوة" تعني شرب الشاي.. كيف؟ يصعب التفسير ولكن هناك شيء في اللاوعي يربطهما ببعض. اللبنانيون انسجموا كثيراً في الجو، فالأغاني أغانيهم.. المجموعة مندمجة ورواد القهوة يتفرجون على فريق قرر مسبقاً أن يستغل اللحظات الجميلة ليفرح ويضحك. نعم كانوا يغنون مع المطرب ويصفقون انسجاماً ولكن معظمهم كانوا يتحدثون، السياسة اللبنانية بأبطالها وشهدائها واللاعبين فيها حضروا في الجلسة الغنائية، حضروا في تحليل للواقع اللبناني. استمر الوضع على هذا الحال حتى 11:30 حيث قررت مجموعة أن تتعرف على الشارع والمشي فيه. أول محطة كانت عند بائع للكتب. رجل هرم أخذ يخبر المجموعة عن الكتب والمخطوطات التي يملكها الا انه يؤكد أنه لا يفرط فيها: "انها للأردن وسوف تبقى للأردن"، يقول بحزم لأحد أفراد المجموعة الذي سأل اذا كان بإمكانه الحصول عليها. بعد أحاديث ونكت وخبريات من هنا وهناك على باب "كشك" الكتب استأنفت المجموعة السير.. مسافة طويلة، يبدو أن عدد السيارات قليل، ربما هذه زواريب في الأردن، ولكن "لن نضيع" الكل يؤكد ذلك ويتابع السير. استمرت الأحاديث التي بدأت في القهوة ولكن هذه المرة من دون دندنات المطرب.. هدوء نسبي ورياضة المشي وأحاديث ليلية في أزقة الأردن. انتهت الكسدورة، حان وقت العودة الى الفندق.. "فندق اللاندمارك" الشيء الوحيد الذي يعرفه أعضاء المجموعة والغريب أن سائقي التاكسي لا يعرفونه، ولكن في النهاية سؤال من هنا وجواب من هناك وصل الفريق الى الفندق. انه اليوم الأول من أيام مؤتمر الصحافيين الاستقصائيين في العالم العربي الذي نظمته أريج في عمان بين 20 و22 تشرين الثاني 2009، ولكن فيه الكثير من الاشياء الجميلة التي تحفر في الذاكرة، خصوصاً تلك القهوة التي تحاكي القلب ببساطتها.. وشوشات بينهما جعلت من أمسية الصحافيين أمسية رائعة لا تنتسى.




No comments:

Post a Comment