Tuesday, February 18, 2020

حزب الله وأميركا... البوصلة والشيطان!



"لماذا لا نلجأ إلى مقاطعة البضائع الأميركية؟".. تساؤل طرحه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الذي شّن فيه هجوماً عنيفاً على الولايات المتحدة الأميركية.
حسناً، نعم إنه لتساؤل مشروع، لماذا علينا أن نبقى تحت رحمة الدولار الذي يُذل اللبنانيين على أبواب المصارف ومحلات الصيرفة وفي الخارج، وكاد أن يذلهم مرة جديدة على أبواب الطائرات لولا تراجع الميدل إيست عن قرارها بالتعامل حصراً بالدولار!
ولكن مهلاً، هل الدولار هو الذي حولّنا إلى بلد منهوب! لا إنهم السياسيون الذين أمعنوا منذ ثلاثين عاماً على سرقة البلد وإبرام الصفقات على حساب كهربائه ومائه وحتى نفاياته... ومن بين هؤلاء السياسيين أقرب الحلفاء إلى السيد نصرالله... فيا ليته قبل أن يغدق علينا بالتصريحات المعادية لأميركا واقتصاد أميركا، أن يرفع غطاءه عن الفاسدين من حلفائه... عندها علّ هذا البلد الصغير يستعيد بعضاً من أمواله المنهوبة، ويتمكن من سداد ديونه المتراكمة والخروج من جحيمه الاقتصادي!
بالعودة إلى هذا العداء المستشرس لأميركا، حسناً إنه لتساؤل مشروع لطرف قطع كل صلات اتصاله مع من يصفها بـ "الشيطان الأكبر" ولكن المصيبة في تعاطي حزب الله مع الأمور هي في إزدواجية المعايير... من جهة أميركا شيطان يجب قتاله ومن جهة أخرى تهرع بيئة حزب الله إلى أميركا وتتفاخر بذلك... وهاتان عينتان عايشتهما شخصياً!
عندما سافرت أول مرة إلى أميركا، وفيما كنت في السفارة أنتظر دوري للحصول على تأشيرة الدخول لفتني وجود عدد كبير من السيدات المحجبات في صالة الانتظار؛ وبحسب معرفتي البسيطة بالفرق في شكل الحجاب، بدا واضحاً أنهن ينتمين إلى الطائفة الشيعية الكريمة، وفي ذلك الوقت كان الرابط تلقائياً بين المتدينات وحزب الله.
قبل ذلك بفترة وجيرة، قام أحد أساتذة الجامعة اللبنانية، والذي كان متعصباً جداً لحزب الله، بإسقاط طالب في مادته فقط لأن هذا الطالب ينتمي إلى جهة سياسية مناوئة لحزب الله؛ ولاحقاً اعترف لهذا الطالب بأن ميوله السياسية مستفزة! هذا الأستاذ نفسه كان يفاخر بأنه خريج جامعة في أميركا، على اعتبار أن التخرّج من بلاد العم سام هو امتياز أكاديمي على الخريجيين المحليين.
ما المشكلة في ذلك؟ لا مشكلة لو تلازمت التصريحات مع الأفعال... المشكلة في الازدواجية بين المواقف والسلوكيات... علماً أن ازدواجية المعايير هذه برزت وتبرز في الكثير من مواقف الحزب!
ما علينا.. نعم لم أعرف إن كانت النساء اللواتي رأيتهن في السفارة يملكن الجنسية الأميركية أو يذهبن إليها سياحة أو زيارة عائلية.. ولكن استوقفني المشهد، كما استوقفني تفاخر الأستاذ الجامعي. وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أن حتى الفئات المعادية لأميركا تقصدها متى ما سنحت الفرصة وربما تجد فيها موطناً بديلاً، والأسباب كثيرة!
منذ بضعة أشهر وفي حديث عن الوضع اللبناني مع قريب ولد ويعيش في أميركا، تلقائياً أخذ الحديث منحى المقارنة بين الحياة في لبنان وتللك في أميركا.
قال إن أميركا فيها الكثير من الفساد، وعندما رحنا نفنّد المعطيات، بدا البلد الذي بالكاد يظهر على الخريطة متقدماً على دولة الـ 52 ولاية بأشواط في إبداعات الفساد.
وخلال المقارنة، حدثنا عن ارتفاع الجريمة في أميركا، وذلك يبدو واضحاً في الأفلام التي تغزو العالم. وهنا علّق: "نعم هي تشجّع، تفتح أبوابها للأدمغة والمميزين من كل العالم تعطيهم وتستفيد من طاقاتهم... إلا أنها تشجّع على كل شيء.. تشجعك على الطموح والابداع وتشجعك على الجريمة"..
حسناً ماذا عن لبنان؟ على ماذا يشجّع؟ في هذا البلد المنظومة القائمة تُحبط الفكر والابداع وتشجّع على الفساد والبلطجة تحت مسمى الشطارة! طبعاً لا يسعنا التعميم ولكن هذه العقلية هي الطاغية.
في لبنان المنظومة السياسية لا تريد للشعب حتى أن يفكّر، فالفكر يهدّدها ويهدّد وجودها!
لماذا أميركا دولة عظمى تحكم العالم ولبنان بلد نامٍ ينحدر نزولاً؟ لأن السياسة الأميركية تعمل على استقطاب الأدمغة من كل أنحاء العالم والاستفادة منها للتطوّر، والسياسة في لبنان تهجّر الأدمغة وتضيّق الخناق على من بقي... أميركا ليست ملاكاً وهي تعمل وفق أجندات بعيدة المدى، خصوصاً في سياساتها الخارجية؛ ولكن ما سلف أعطاها تميّز الدولة العظمى، فيما بلدنا يتخبّط في أتون العالم الثالث!

Sunday, February 9, 2020

وطن الذل أنا هنا


"لم يسبق للبنان أن مرّ بأزمة مماثلة، حتى إبان الحرب"... كثيراً ما تتردد هذه العبارة على مسامعك في لبنان، وهي ليست مجرّد جملة عابرة في أحاديث عابرة، هي واقع مُر يرزح تحته الشعب اللبناني.
نعم لم يسبق للبنان أن مرّ عليه سياسيون فاقت وقاحتهم فسادهم بهذا الشكل... نهبوا البلد وما زالوا يحاضرون بالعفة... لم يسبق لنا أن شهدنا في لبنان غياب الضمير بهذا الشكل... نحن وهذا البلد الصغير تحت رحمة جلادي السياسة منذ سنين، ولكن لم يسبق لنا أن كنا تحت رحمة جلادين أينما ذهبنا... حتى بائع الخضار تحوّل إلى جلاد عندما سنحت له الفرصة!
إلى متى سيصمد هذا الشعب؟ يحاول الصمود وإن كانت الكلفة خصوصاً الصحية والنفسية باتت باهضة جداً!
في 17 تشرين الأول 2019 أَمل اللبنانيون بالتغيير، أملوا أن يتردّد صدى الأصوات الصادحة في الشوارع ويحدث ما يشبه الزلزال على رؤوس من أوصلوا البلد إلى هذه الهاوية.
أملوا أن يُحاسب السياسيون الذين نهبوا البلد على مدى عقود، ويُجبروا على إعادة الأموال المنهوبة.
أملوا أن تُضبط مزاريب الهدر...أملوا بوطن يطوّق الغابة التي كثرت فيها الوحوش... ولكن على أرض الواقع، التغيير كان للأسوأ!
على المستوى المعيشي، ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية، ومن بينها المواد الغذائية، بشكل جنوني اذ وصلت الزيادة على الكثير من المنتجات إلى الـ 50 في المئة.
وفي المقابل أغلقت الكثير من الشركات أبوابها وتخلّت مؤسسات عن عدد كبير من موظفيها، فيما توجهت أخرى إلى تقليص المعاشات إلى النصف. وبحسب أرقام حملة #مش_دافعين هناك 160 ألف لبناني طردوا من عملهم بشكل تعسفي، وهناك 40 –50 ألف عائلة غير قادرة على سداد قروضها المصرفية.
عندما نتحدث عن القروض لا بد من الحديث عن المصارف التي تُذل اللبنانيين على أبوابها، فبعد انتظار قد يصل إلى ساعات في بعض البنوك، سقف السحب الذي حدده المصرف هو 200 $ كل 15 يوماً، ومنع عن المواطن حقه بدفع أمواله من الدولار في الخارج عبر البطاقات!
على أبواب المصارف ذل آخر للمواطن، ففي الوقت الذي حدّد البنك المركزي سعر صرف الدولار بـ 1517- 1518 تمتنع المصارف عن صرف الدولار للعملاء، وبكل بساطة ليس أمامهم سوى شراء الدولار من محلات الصيرفة التي تحوّلت إلى سوق سوداء تتاجر بالناس... هذا من دون أن نغفل الاقتطاع العشوائي من الحسابات، دولار من هنا وآخر من هناك... ببساطة سرقة فوق سرقة.. من يحاسب؟ لا أحد!
كل ذلك والسلطة تعيش على كوكب آخر، فعلى المستوى الرسمي، أعادت السلطة انتاج نفسها وشكّلت حكومة استبعدت منها الأسماء المعروفة بالشكل، استقدمت أسماء جديدة ظاهرها اختصاص وباطنها ولاء لنفس الزمرة الحاكمة.
حكومة يطلقون عليها حكومة انقاذ، أي انقاذ وأي تحد للعقبات بحكم بنفس العقلية؟ حتى لم تُكلف الحكومة العتيدة نفسها عناء وضع موازنة جديدة، تبنت موازنة الحكومة السابقة... تلك التي أسقطها الشارع! ويمارس السياسيون طوباوية القداسة وينظّرون على بعضهم البعض... بكل وقاحة!
كل ذلك ينعكس غضباً اضافياً في الشارع، غضب دفع بالكثير من الشباب إلى طرد عدد من السياسيين من أماكن عامة، ما لم يشهده لبنان سابقاً اذ دأب السياسيون على التعاطي بفوقية كرستها لهم مواكبهم.
هذا داخلياً، أما خارجياً أُهين وزير الخارجية السابق في دافوس، أُهين عندما أحرجته مذيعة CNBC عندما سألته من أين لوزير معاشه 5000 دولار أن يمتلك طائرة خاصة.. أهانته بتوجيه أصابع اتهامه بالفساد خلال كل المقابلة، ولكن الإهانة لم تدفعه إلى الخجل حتى... ففي بلدنا يفتخر ويتكبر بما أُهين عليه في الخارج... بالمال الذي من حقنا أن نسأله من أين له ذلك... هو نفسه المُهان في حضرة الأوروبيين، يأمر في بلدنا وينهي، يستدعي محاوريه إلى منزله وبدل أن يُحرجوه، يُلمع صورته على ظهرهم!
ماذا لو كانت الأسئلة التي طرحتها المذيعة هادلي غامبل استجواب يطرحه قاضي نزيه في جلسة محكمة؟ استجواب لا يطال وزير الخارجية السابق فحسب بل كل تلك الزمرة الحاكمة التي هرّبت مليارات الدولارات إلى الخارج وتشّد على يد حاكم مصرف مركزي ومصارف تضيق الخناق على مودعين صغار، مودعون خبأ كثر منهم قرشهم الأبيض ليومهم الأسود، جاء اليوم الأسود وحُجب القرش الأبيض في بلد يفتقد لأدنى معايير العدالة الاجتماعية!
ماذا بعد؟ بات استحقاق دفع الديون المترتبة على لبنان على الأبواب، من أين سيدفع؟ هل سيستطيع أن يدفع؟ وما هي السيناريوهات التي تنتظره؟ أسئلة كثيرة حلُها واحد، حبذا لو يستطيع هذا البلد أن يسترد ولو بعضاً من أمواله المنهوبة!
لمن يسأل كيف حال لبناننا، وكيف حالنا فيه... البلد الذي صدّر المفكرين والمبدعين إلى العالم بات مثقلاً بالإذلال، ينوء أبناؤه تحت شتى أنواع الأحمال: النفسية، المعيشية، الاجتماعية، الاقتصادية... يمضون أيامهم خوفاَ من جوع الغد وترقباً للأسوأ... ولكنهم غاضبون... غاضبون نعم والغضب شرارة قد لا يكون السياسيون يحسبون ماذا يمكن أن تُشعل وماذا ستحرق بشرارتها!