Friday, November 23, 2018

لأننا نحب هذا الوطن!

"كلنا للوطن للعلا للعلم"... هكذا يبدأ النشيد الوطني اللبناني، ولا تحتاج وقتاً لتعرف الموسيقى التي تُعزّف لهذه الكلمات، ولكن للوهلة الأولى قد تحتاج برهة لتستوعبها رنة تطالعك على الجانب الآخر عند اتصالك بأي رقم هاتف لبناني... هذه المبادرة من شركة الاتصالات MTC بمناسبة عيد الاستقلال جعلتني أقف قليلاً بيني وبين نفسي، أنا التي بت غاضبة على كل شيء في هذا البلد. 

عندما سمعت الموسيقى شعرت بعاطفة وطنية تتسلل إلى داخلي، وأعادتني بالذاكرة بضع سنوات إلى الوراء يوم كنت أعيش خارج لبنان، وقتها قال لي زميل أردني "غريبون أنتم اللبنانيون لو مهما تغربتم، دائماً تفكّرون بالعودة إلى بلدكم وبناء منازل لكم على أرضه". 

نعم، نحن كلبنانيين يُشهد لنا بأننا نحب هذا الوطن. رغم كل المساوىء ورغم أن كثر منّا اختاروا الغربة أو حتى الهجرة لأنهم فقدوا الأمل، وكثر على هذه الخطى؛ إلا أننا لو أينما ذهبنا يبقى في داخلنا ذلك الحنين وذلك التعلّق الفطري بهذه الأرض. ربينا على الحب لهذا البلد الصغير، وفي لا وعينا، نربّي أولادنا كما ربينا نحن. كنا أطفالاً نحتفل بفرح بذكرى الاستقلال واليوم أصبحنا كباراً نعيش نقمة على حالنا، ولكن عيوننا تهلّل للفرح في عيون أطفالنا وهم يحتفلون بهذه الذكرى، سواء من خلال البزات العسكرية الصغيرة التي يرتدونها أو بإنشادهم النشيد الوطني بعفوية براءتهم. 

نعم، نحن شعب عاطفي، ليس فقط كلبنانيين بل كشعب عربي بشكل عام. وهذه إحدى نقاط الضعف التي يبني عليها السياسيون استراتيجياتهم ليسيطروا علينا ويحكمونا رغم فشلهم، على خلاف الشعب الغربي الذي يتعاطى بمنطق العقل والحقوق اجمالاً؛ فمثلاً في دولة عظمى مثل أميركا ترفع مؤسسة إعلامية (CNN) دعوى على رئيس البلاد لما اعتبرته إساءة بحق أحد مراسليها، أما في لبنان فممكن أن تجد جيش إلكتروني من الشباب يدافعون عن سياسي ما بشراسة، علماً أنهم في قرارة أنفسهم قد يكونوا يعرفون أنه على خطأ، ولكن يدافعون عنه لأنهم يحبونه... لأنهم متعلّقون به عاطفياً! 

اذا كان التعلّق العاطفي بالزعماء هو النقطة السوداء التي أدت بنا إلى الهاوية الاقتصادية الاجتماعية والمعيشية التي نغرق بها، إلا أن التعلّق العاطفي بالوطن هو نقطة قوة لأنه يجعلنا نخلق الأمل من العدم ونعطي حافزاً لأنفسنا بأن نعمل ليكون غداً أفضل! 

في كل مناسبة وطنية، نكون في لبنان فريقان، فريق ينغمس عاطفياً بالذكرى حد التطرّف الذي ينسيه الواقع، كالنعامة التي تطمر رأسها في التراب وتقول أنا لا أرى شيئاً، وفريق آخر يتعاطى معها بتهكّم نابع من نقمة سوداوية يعيشها بتطرّف... 

وكلاهما ينتقد الآخر وأحياناً بقسوة جارحة! كلاهما على حق وكلاهما مخطىء... وهنا دور الميزان بين العقل والعاطفة. 

نعم نحن كشعب نحّب هذا الوطن أكثر بكثير من أولئك الذي عبروا فوق عواطف الناس ليصبحوا مؤتمنين على بلد، وأساؤوا لهذه الأمانة. نحن كشعب ليس لدينا سلطة لنغيّر مصير بلدنا، ولكن يمكننا بسلطتنا الصغيرة على يومياتنا أن نبدأ بالتغيير، كل من موقعه. 

حب الوطن ليس في الاحتفالات بالمناسبات الوطنية وإن كانت تدغدغ فينا مشاعر الوطنية؛ حب الوطن يكون بأن نبدأ بأنفسنا بالتغيير حيث نتمكّن، وكلّنا نستطيع أن نفعل شيئاً، لو مهما كان صغيراً مثل أن نفرز نفاياتنا في منازلنا... بالتراكم سنُحدث فرقاً. 

حب الوطن ليس في رفع العلم الذي تتوسطه الأرزة، حب الوطن يكون في زرع هذه الأرزة والحفاظ عليها وعلى المحميات والموارد الطبيعية من التلوّث. 

حب الوطن يبدأ من أصغر تفصيل نعيشه في يومياتنا... شخص واحد لا يستطيع أن يغيّر ولكن الجماعة يمكن أن تغيّر، وكثيراً. حُكم علينا بسياسيين يُمعنون بخراب هذا البلد بعد عَماهم بفساد أنساهم ماذا تعني الوطنية، ولكن لا شيء يبقى على حاله، وحتى يأتي التغيير الحقيقي علينا أن نبدأ بأنفسنا... لأننا نحّب هذا الوطن! 

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

Monday, November 12, 2018

بلد "أمرك نصرالله"

عندما يُقال لنا إن لبنان خاضع لسلطة حزب الله نعترض ونتململ،فمن المهين لنا كلبنانيين أن يكون مصير بلدنا محكوم بفكر ديني أحادي التوجّه، لديه أجندته الخاصة عسكرياً سياسياً وإقليمياً. 

على مدى الأشهر الماضية من محاولات تشكيل الحكومة، وعدا عن تمسّكه بوزارة الصحة، كان حزب الله محايداً والخطاب العلّني للسيد حسن نصرالله هادئاً، وكان التوتر والأخذ والرد محصوراً بالأقطاب السياسية الأساسية والمتنازعة أصلاً على الحصص والحقائب السيادية. 

ولكن النبرة التي خرج السيد حسن نصرالله يتحدّث بها في "يوم الشهيد"، تنبىء بأن منطق القوة الذي ينطلق منه يهمّش فيه أي سلطة أخرى غير سلطته وسلطة حزبه، بما فيها رئاسة الجمهورية. خرج ليقول "لو بدي عطّل تشكيل الحكومة لدّي الجرأة لأقول ذلك وأستطيع"، وفتح نيرانه على بعض الأحزاب السياسية الأساسية، رامياً كرة الحلّ في ملعب السنّة المستقلين. السنة المستقلون الذين لا نذكر أنه سبق وعلّق تشكيل الحكومة عند حصّة لهم في أي من الوزارات السابقة، ولا نعرف من أي خلفية خرج حزب الله ليطالب بحصّة لهم الآن، ويضع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري تحت الضغط، فحلّ العقدة هذه المرّة مرتبط بتنازل الحريري شخصياً. 

اذا عدنا بضعة أشهر إلى الوراء، تحديداً إلى النتائج التي خرجت بها "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" والتي كانت تحقّق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وكلّفت الخزينة اللبنانية، العاجزة أصلاً، ملايين الدولارات... اذا عدّنا إلى تعاطي الحريري الإبن مع نتائجها التي تدين حزب الله، كان مستسلماً أكثر من اللازم، وأي مراقب سيعي أن ذلك نابع من خوف ما،ولتوخي عواقب ردود أفعال يعرف سلفاً أنها ستكون وخيمة على البلد. 

نحن كلبنانيين لن يتغيّر علينا شيئاً بين حكومة تصريف أعمال وحكومة جديدة، فالهدر والفساد والصفقات المشبوهة ستبقى هي هي فقط سيتبدّل اللاعبون في كل وزارة، ولكن خطاب السيد نصرالله وضعنا تحت الأمر الواقع وبالفم الملآن، نعم هو من يتحكّم بالبلد ومن منطق سلطة القوة، قوة السلاح بطبيعة الحال. فهذا الحزب الذي لم يعد خافياً على أحد قوته العسكرية والميدانية والتي تفوق القوة العسكرية للدولة اللبنانية، وجّه في 7 أيار 2008 رسالة إلى أي مسؤول تسوّل له نفسه أن يعترض مشاريعه بأن الرد سيكون عنيفاً على شاكلة اجتياح بيروت وترعيّب أهلها. والرسالة وصلت بالعنوان العريض، فمن رفع السقف في الماضي يتحدث الآن بمرونة وبتواضع أكثر من اللازم، والثقل المسيحي أصلاً عقّد حلفاً مع حزب الله، بغض النظر إن كان هذا الحلف يتعدّى المصالح السياسية للطرفين ويلتقي على أي من المبادئ؛فعلى سبيل المثال لا الحصر، من كان شبابه يضربون بالعصي ويُسجنون بسبب النظام السوري، من البديهي أنه لن يكون يصفّق لهذا النظام عن مبدىء وقناعة. أما الرئيس المكلّف فهو أصلاً وضع نفسه بموقف الضعف عندما قرّر التعالي على الجراح والعفو عن الذين أظهرت المحكمة الدولية تورطهم في اغتيال والده، ونتحدث هنا عن كوادر حزب الله، وذلك بحسب كلامه لتغليب مصلحة البلد. 

اذا نحن الآن أمام مأزق أكبر بكثير من تشكيل حكومة شدّ حبال ومحاصصة بين أطراف سياسية تتقاتل بجشع من يأخذ الحصة الأكبر، نحن أمام أمر عسكري يفرضه حزب الله، إما تسير الأمور مثل ما أريد أنا أو الفوضى... فوضى في بلد ما عدنا نستطيع أن نقول إن أي شيء فيه يسير على ما يرام، بلد على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، بلّد يصّح أن نقول إنه موبوء بيئياً وغذائياً وصحياً. وهكذا قد يكون في العلن، البيئة الحاضنة لحزب الله هي التي تردد "لبيك يا نصرالله"، ولكن في الواقع بلد بأكمله يردّد خاضعاً "أمرك نصرالله"!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه