Saturday, January 30, 2021

العائلة وكورونا... انهيار حصن الأمان


 "وضعت يدي على جبهة ياسمينا، شعرت بسخونتها، قست حرارتها واذا بها مرتفعة، اتصلت بطبيبها فقال لي بأن أعطيها الدواء الخافض للحرارة.. كان السعال بدأ خفيفاً عندي. في صباح اليوم التالي استيقظت وأنا أشعر بارتفاع الحرارة في جسدي وأصبح السعال أقوى. أخذت موعداً لإجراء فحص الـ PCR، يومها أصبح كل جسدي يؤلمني وفي اليوم التالي أبلغوني بأن نتيجتي إيجابية... تسارعت الأحداث، في اليوم التالي بدأت العوارض عند زوجي، دقات قلب سريعة استدعت مراجعة الطبيب... كان أهلي يشعرون بعوارض برد، أجروا فحص الـ PCR وأيضاً كانت نتيجتهم ايجابية... كلنا أُصبنا بالفيروس وياسمينا التي لم تكمل عامها الثاني ظلت حرارتها ترتفع ليومين أو ثلاث"... هكذا وصفت لي صديقتي كيف أصيبت هي وعائلتها بفيروس كورونا رغم حرصها الشديد على عدم الاختلاط اجتماعياً والالتزام بارتداء الكمامة والتعقيم.

صديقتي هي واحدة من الكثيرين الذين قرروا أن يأخذوا كل أساليب الوقاية من كورونا، لدرجة أن تقتصر حياتهم الاجتماعية على عائلتهم الصغيرة وحسب، ولكن حتى العائلة التي تعتبر الملجأ والأمان اخترق هذا الفيروس الصغير حصنها ومعه خسرت امتياز أمانها!

كان المرض الخبيث بالنسبة للناس هو مرض السرطان لأن الخلايا السرطانية تقتحم جسم الانسان بشراسة وعدائية حتى تفتك به، ولكن ألا يليق هذا التوصيف بفيروس كورونا؟

مرض السرطان، رغم خبثه، ولكنه لا يُعدي، ومريض السرطان، حتى آخر لحظة في حياته، يستطيع أن ينعم بدفء عائلته وأحبابه. أما فيروس كورونا فيتسلل بخبث من شخص إلى آخر وأقرب الناس هم الأخطر بنقل العدوى.

مع كورونا حتى الأم باتت تخشى بأن تحضن أولادها كما اعتادت لأنها تخاف عليهم، قد تكون مصابة والفيروس لا يفهم بعاطفة الأمومة.

مع كورونا، الأولاد يخافون على أبويهم أيضاً، يخافون عليهم من أن يزورهم أحد قد يكون مصاباً ويخافون أن يصابوا هم وينقلوا العدوى إلى أهلهم... وهكذا مع كورونا باتت العاطفة مغلفة بحذر التعبير.

مع كورونا بات الشعار: "تعامل مع الآخرين كأنهم مصابون وكأنك مصاب"، مما أفقد العلاقات الانسانية والاجتماعية الكثير من روحيتها.

مع كورونا يموت الشخص وحده مع الآلات في غرفة مستشفى معزولة، والآلات أصنام صماء بكماء لا تجيد العواطف في النهايات؛ لا تستطيع أن تسمع كلمات المريض الأخيرة ولا أن تنقل له كلمات أحبابه وضماتهم الوداعية.

نعم عندما يموت المرء لن يهمه كيف تكون مراسيم العزاء أو الدفن، ولكن أهله ومن يحبونه لن ينسوا أن كورونا منعتهم حتى من أن يودعونه الوداع الأخير.

مع كل رحلة العذاب الانسانية هذه مع كورونا، هناك من يتاجرون بهذا الفيروس، يقامرون بأرواح الناس من أجل المال... وهذا الوباء بالنسبة لهم تجارة مربحة!

كورونا فيروس خبيث اقتحم عالمنا وقلبه راساً على عقب، وقد يكون الرعب منه أكبر من حجمه، اذ أن أغلب من يصابون به يعانون لفترة من الوقت ومن ثم يتعافون، ولكن كم من الوقت سنحتاج لنتعافى من تبعات هذا الفيروس النفسية والانسانية؟

https://elaph.com/Web/opinion/2021/01/1315992.html

Saturday, January 9, 2021

وطن يستجدي الرحمة

 

كيف حال لبنان؟ ينازع وهم يتفرجون عليه.
كيف حال الشعب اللبناني؟ هو الآخر ينازع، والسياسيون يزيدون الخناق عليه.
كيف حال العدالة؟ ماتت منذ زمن.
كيف حال الضمير؟ هو الآخر مات منذ زمن ودُفن مع العدالة.
"أوعا زعيمي... أوعا طائفتي...أوعا حصتي... الكل يستشرس... إلا هذا الوطن متروك لقدره المشؤوم لا أحد يدافع عنه، بل على العكس أصبح كجيفة تتسابق على انتهاشها الضباع!

حالنا في لبنان بات كحال من ينبش في مقبرة جماعية، أينما يضع معوله يجد جماجم وعظام بلا روح أو حياة... وهكذا حالنا في هذا البلد، في الاقتصاد والسياسة وصولاً إلى الضمير، هذا الأخير بتنا ننعيه بالمأسوف عليه.
في بلدنا، فيروس كورونا الذي يفتك بالناس ويقتل الكثير منهم ينظر اللبنانيون إليه باستخفاف، حتى هذا الوباء يرونه رؤوفاً بالمقارنة مع من يجلدونهم بلا رحمة.

في بلدنا، يتاجرون بكل شيء، بالدم، بالقيم، بالناس، بالمساعدات الانسانية... حتى بالله يتاجرون... ويقامرون بنا وبالوطن، علّ ضربة حظهم تصيب ويحصلون على ما تتوق إليه أنانيتهم، أو يحافظون على ما حصدوه على مدى سنوات على حساب بلد منهك.
كلهم شركاء... يعتلون المنابر، يحاضرون بالعفة، يتهمون بعضهم البعض، ولكن كلهم شركاء... وما يفعلونه من عزف على لحن الفساد ما هو إلا وسيلة ليضغطوا بها على بعضهم البعض، كُل ليُرضخ الآخر لشروطه... لو لم يكونوا كذلك لكانوا فتحوا كل الملفات التي بحوزتهم. نعم كل منهم يحتفظ بملفات الآخر لضرورات النكايات السياسية.

لو لم يكونوا كذلك، لكانوا كشفوا كل الأوراق، حرروا القضاء وتركوه يأخذ مجراه ويحاسب... ولكن كلهم شركاء بالصفقات والمحاصصة، وهم يتحاصصون بكل شيء... حتى على جسد وطن متهالك يتساومون، يختلفون على قطع الجبنة، لهذا وذاك... وكأن شيئاً لم يكن... لا يخجلون... ما أوقحهم!

ماذا بقي من لبنان ليتحاصصوه؟ ماذا بقي من الشعب ليتحمّل؟ في لبنان لم تستنفذ هذه الطبقة الحاكمة خيرات هذا البلد الصغير وحسب، بل استنفذت كل شيء: الصبر والتحمّل، الغضب والنقمة.... واستنفذت معهم الأمل!
في هذا البلد لم يستطع شعب مجروح أن يأتمن من ولوا أنفسهم عليه، على تحقيق عادل وشفاف يحاسب، بعد أربعة أشهر، مجرمين مسؤولين عن تدمير بيروت وقتل وتشريد أهلها، فكيف يأتمنهم على وطن يموت ويستجدي الرحمة!