Thursday, November 21, 2019

استقلال بنبض ثورة

لن يكون هناك عرض عسكري هذه السنة... لن يقف الرؤساء الثلاثة ببزاتهم الرسمية لمشاهدة عرض العسكر والعتاد، ومن بعدها تقبّل التهاني بالذكرى.
عرض هذه السنة استثنائي، ويقدّمه العامة وليس العسكر...
عرض هذه السنة لن يقتصر على يوم واحد فقط، هو عرض لنبض شارع ثائر ومستمر منذ 17 تشرين الأول الفائت، أي منذ شهر ونيف، يوم قرر اللبنانيون أن يستقلّوا بقرار حياتهم عن التبعية العمياء لساسة وقفوا ببزاتهم الأنيقة يراقبون انهيار البلد!
أي عرض هو الأمتع؟ اللبنانيون الثوّار يستمتعون بعرضهم... ولكن الحكم يبقى للمتفرجين!
عروض السنوات السابقة غدت بروتوكولاً سنوياً للاحتفال باستقلال لبنان من الانتداب الفرنسي في 22 تشرين الثاني 1943، وقت كان في هذا البلد رجالات دولة ثاروا على المحتل الأجنبي، وحفروا أسماءهم بعزّة في التاريخ، حفاظاً على وطن اسمه لبنان.
أما عرض هذه السنة فهو انقلاب معنوي على أبناء سلطة خسروا رهان الرجولة في الحفاظ على هذا الوطن الذي يسمى لبنان.
السنة الفائتة قطعت الدولة الطرقات على المواطنين وعلقوا في الازدحام لساعات كرمى التدريبات العسكرية للاحتفال بالمناسبة.
هذه السنة، وقبيل احتفال لبنان بذكرى الاستقلال، قطع الشباب اللبناني الطرقات على النواب ومنعوهم من الوصول إلى المجلس النيابي الذي كان على جدول أعماله التصويت على قانون العفو العام.
عفو عام يساوي بين البريء والمجرم... عفو عام يقطع الطريق على محاسبة المسؤولين لاستغلال مراكزهم ونفوذهم في جرائم مالية وصفقات ومحسوبيات، حتى باتت كل موارد هذا البلد منهوبة.
السنة الفائتة، انتظر اللبنانيون في سياراتهم فرج فتح الطرقات، تأففوا، شتموا، لعنوا... ولكن هذه السنة مُنعت سيارات النوّاب من الوصول إلى المجلس، منهم من عاد أدراجه طوعاً أو مرغماً، ومنهم من توجهت اليه أصابع الاتهام بأن مرافقيه هم من أطلقوا الرصاص الحي في الهواء لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا منعهم من العبور.. وأكثر كادوا أن يدهسوا من في طريقهم للعودة!
السنة الفائتة، كانت حماسة اللبنانيين لاحتفالات عيد الاستقلال بهتت.. فأي احتفال بالوقوف على أطلال المجد والحاضر مثقل بالانهزامات، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً...
أما السنة، انتفض نبض الوطنية في عروق اللبنانيين وقرروا أن يكفوا عن الاحتفال باستقلال من انتصارات الماضي، ويخلقوا استقلالاً حقيقياً، استقلال ممهور بأصوات شبابية صرخت في الساحات... ثورة ثورة ثورة!
لأول مرة ارتفعت أصوات اللبنانيين عالياً... والصوت لم يأت من داخل أحضان الوطن وحسب، بل تردد صداه في مختلف أقطار العالم حيث ينتشر اللبنانيون... ارتفع صوت الوطنية لبلد أنهكته الخيانات المتكررة.
عرض الاستقلال هذه السنة هو عرض ولا كل العروض، هو رقص انتصارات لشعب قرر أن ينتفض، أن يخلع عنه كل العباءات الحزبية والطائفية ويرتدي عباءة واحدة، لبنانيته... ويناضل من أجل إعادة كرامتها المهدورة على عتبات سياسيين ضربوا عرض الحائط بكل القيم والأخلاقيات، ليخلقوا منظومة تحفر الفساد أينما حلّت... وبالخطوط العريضة.
عرض الاستقلال هذه السنة هو احتفال بوعي جيل كامل ما عاد يصدّق الوعود الكاذبة...
عرض الاستقلال هذه السنة هو احتفال بعروسة الثورة، طرابلس التي أثبتت براءتها من حكمهم المبرم عليها بالإرهاب...
عرض الاستقلال هذه السنة هو إعادة إحياء لدم المواطنة في عروق كانت فقدت الأمل في أن يحضنها وطن!

Tuesday, November 12, 2019

سقط ستورهم.. بقي سقوطه:

لم يعد 17 تشرين الأول 2019 اليوم الذي تبدّل فيه مشهد الشارع اللبناني من خاضع لإرادة السياسيين إلى منتفض عليها وحسب، فهذا التاريخ كان البداية لسقوط سلطة سياسية أمعنت فساداً.. في الشارع... وتطوّر شعار هذا الشارع من "ارحلوا لا ثقة بكم وبكل ما تطرحونه" إلى توجه شعبي نحو الضغط والمحاسبة.
ملفات فساد كثيرة فتحت، وما كان مجرّد أخبار متناقلة أصبح أسماء وأرقاماً مكشوفة، قُلبت الطاولة.
اذا لخّصنا ما تكشّف في أقل من شهر على رزنامة الزمن، نقدّر أين ذهبت مليارات الدولارات وكيف وصل البلد إلى انهيار اقتصادي، يبدو بات وشيكاً جداً.. وهذا كاف لزج الكثير من الرؤساء والوزراء في السجون!
ولكن بمطالعة بسيطة لآليات المحاسبة التي فصّلها السياسيون على مقاس يناسبهم، نجد أن المحاسبة الفعلية أبعد بكثير من استعراض الإخبارات التي يتقدّم بها بعض المحامين لذر الرماد في عيون الشعب، وإيهامه بالمحاسبة.
من يحاسب الرؤساء والوزراء؟ قانوناً، المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؛ وببحث بسيط حول تشكيل هذا المجلس وصلاحيته، نجد أنه واجهة شكلية استعراضية، وعملياً لا يحاسب ولم يسبق أن حاسب أحداً.
المحاسبة تتطلب أولاً رفع الحصانة عن المسؤول والذهاب بملفه إلى القضاء، ولكن فعلياً ورغم كل روائح الفساد التي انبعثت، لم تُسقط أي حصانة عن أي مسؤول... علماً أن هناك أشياء ظاهرة كعين الشمس مثل الـ 11 مليار دولار التي تبخرت بقدرة قادر!
أما في ما يخص القضاء فلم يعد سراً أنّ القضاء اللبناني مسيّس، وكشفت الكثير من التقارير الصحافية فساد الكثيرين في الجسم القضائي، إن لناحية الرشوة أو المحسوبيات.. وعليه مقولة العدل أساس الملك لا تسري على الهيئة القضائية.
بالعودة إلى الشارع، اعتادت السلطة السياسية تشتيته بالعصبيات الطائفية ونجحت كثيراً، إلا أن ثورة 17 تشرين الأول أسقطت هذا المحرّك...
لجأت السلطة إلى الاشاعات واستخدام إعلامها لتشويه صورة الانتفاضة الشعبية وشيطنته، ولكن ذلك سقط أيضاً...
جاء من يهوّل بحرب أهلية، فخرج الشارع مجدداً ليسقط هذا التحليل، فلبنان لم يكن يوماً موحداً بنبضه كما هو عليه الحال منذ انتفاضة شعبه ونزوله إلى الشارع.... إلا اذا كان هناك من سيرد على ما لا يعجبه من تطورات بفرض حرب بسلاحه، كما حصل في 7 أيار.
هذا على خط الخطابات وردود الشارع، إلا أن هناك واقعاً معيشياً ضاغطاً جداً، فلأول مرة نشهد انقطاع المحروقات من الأسواق اللبنانية، تمر على أكثر من محطة وقود وتجدها مغلقة... الضغط الثاني هو من خلال شح السيولة النقدية في المصارف اذ يواجه اللبنانيون عقبات في سحب أموالهم، وتحدث صحفيون اقتصاديون عن تهريب مليار ونصف مليار دولار إلى الخارج أول أيام الانتفاضة، من بينها أموال معظم أصحاب المصارف.
كل هذه التطورات والسلطة السياسية تعيش حالة نكران للواقع، ولا يزال وزراء التيار العوني يستخدمون الوعود لتخدير الناس، علماً أنه لم يتحقّق أي من الوعود السابقة التي قطعوها.. تأمين الكهرباء 24/24 مثالاً، والتي وعدنا بها الوزير المقال في الشارع جبران باسيل، منذ توليه مهام وزارة الطاقة..أي منذ عشر سنوات ولا تزال الوعود مستمرة دون نتيجة!
انسوا الكهرباء المقطوعة، هناك نفط... هذا ما لجأ اليه وزراء التيار لجذب الناس وتخديرهم مجدداً!
وفي كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الذكرى الثالثة لانتخابه، لفت إلى أن لبنان سيدخل بعد شهرين (من تاريخ الخطاب في 31 تشرين الأول) نادي الدول المنتجة للنفط، بعد أن أصّر على إقرار الحكومة مراسيم استخراج النفط والغاز، ما سيؤمن متنفساً اقتصادياً على المدى الطويل بحسب عون.
مؤسسة مهارات وفي خدمة Fact-o-meter التي تقدمها وتحقّق من خلالها بالتصاريح والوعود التي يقطعها المسؤولين، طرحت صحة دخول لبنان نادي الدول المنتجة للنفط، للتدقيق.
وكانت نتيجة التحقّق من هذا الوعد، والذي عادت وأعطته وزيرة الطاقة، بأنه غير صحيح بناء على المعطيات التالية بحسب مهارات:
- أولاً الحفر يستمر 55 يوماً قبل أن تظهر النتيجة، وتؤكد الخبيرة في قطاع النفط والغاز لوري هايتايان أن هناك ما نسبته 20 – 25% احتمال لايجاد كمية قابلة للاستخراج والاستفادة منها، وهذا لا يعني أن مباشرة التنقيب ستجعل لبنان دولة منتجة وأننا سنجد الغاز.
- أما في ما يتعلق بتأمين متنفس اقتصادي على المدى الطويل. اذا كانت النتيجة ايجابية، الخوف هو من تعاطي ونهج الحكومة التي سيتم تشكيلها. ويتمثل الخوف بحسب هايتايان في غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة وإمكانية لجوء السلطة إلى الاستدانة من الخارج على أساس أن لديها كميات من الغاز قابلة للاستخراج، ما يؤدي إلى ما يعرف بلعنة ما قبل الموارد.
- هذا عدا عن ضرورة إعادة التفكير بقانون الصندوق السيادي وضمان شفافيته ووضوحه حتى لا يتم هدر الأموال التي ستُجنى، في ظل عدم وجود رؤية واضحة لكيفية دعم الاقتصاد من الأموال التي سيدرّها النفط في حال وجوده.
وهكذا يسقط وعدنا ببلد نفطي قريباً، وأصلاً الشارع ما عاد يُخدّر بالوعود لأن الاشكالية باتت في منظومة فاسدة لا ثقة فيها!
"صار وقت نحاسب" هكذا يقول صوت الشارع، والملفات كثيرة للمحاسبة، منها ما كُشف ومنها مازال مستوراً... ولكن العبرة في النتيجة، من سيُحاسب، مَن وكيف؟
النائب والوزير السابق المحامي بطرس حرب أعلن عبر مقابلة تلفزيونية أنه سيتقدم من النائب العام التمييزي بإخبار عن الفساد المستشري لدى معظم الطبقة السياسية في السنوات الأخيرة، على أن تشمل التحقيقات كل السياسيين ومن بينهم حرب نفسه وتجميد كل حساباتهم لمدة سنة حتى انتهاء التحقيق.
تبدو هذه الخطوة جيدة، اذا سلمنا بحس مسؤولية مشرّع ومسؤول سابق، ولكن الاخبار وحده لا يُجدي نفعاً ما لم يلق تحركاً جدّياً من القضاء، خلافاً للمتعارف عليه بوضع الملفات في الأدراج... والنقطة الأهم: تجميد أي حسابات؟ في الوقت الذي بات معروفاً أن الفاسدين، غير تهريب أموالهم إلى الخارج، يعتمدون على الواجهات المالية لشراء العقارات والشركات وتبعاتها. اذا المسألة أكثر تعقيداً من مجرّد إخبار إلى القضاء..
من المؤكد أن ما قبل 17 تشرين الأول 2019 ليس كما بعده، لا أمل بالساسة ولكن الرهان على نفَس الشارع وقوة ضغطه حتى تحقيق مطالبه كاملة، وأهمها اسقاط منظومة فاسدة استنزفت البلد على مدى ثلاثين سنة، محاسبة رموزها، واسترجاع ولو بعضاً من الأموال المنهوبة!