Wednesday, March 27, 2019

السياسيون الطالحون... مدبرو الوطن؟!

كثيرة هي الفضائح التي تطال السياسيين اللبنانيين في الآونة الأخيرة، خصوصاً من يدّعون العفّة منهم. تقارير بالجملة، وثائق ومعطيات تكشف النقاب عن هدر للمال العام، وكل منهم يقذف الطابة في المرمى المناوىء. يتراشقون إعلامياً "أنت فاسد"... "أنت فاسد"؛ يطبّل المناصرون هنا وهناك ويشتمون على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يُسدل الستار على المسرحية!
من يحاسب؟ لا أحد يحاسب! حتى الشعب لا يحاسب، فالسياسيون يتقنون فن إلهائه مرة بلقمة عيشه التي باتت منوطة بتبعيته لهذا الزعيم أو ذاك، ومرة أخرى بشّد العصب الطائفي، وما أسهل نبش القبور في بلد كثرت فيه مقابر الأحياء. 
بمتابعة هذه المسرحية الهزلية في فتح ملفات الفساد والتسيّب المالي في بلد على حافة الانهيار الاقتصادي، تعود إلى ذاكرتي أحداث عايشتها عندما كنت أعمل على تحقيق استقصائي عن الرشاوى في إحدى الدوائر الرسمية اللبنانية. يومها، وفي شهادة حيّة قال لي أحد المهندسين حرفياً "نحن شركاء في الفساد ولو لم نكن شركاء لكنا الآن في بيوتنا نبحث عن عمل"! وعندما قصدت الوزير المعني، عرّاب المسؤول الفاسد، أكد لي أن التسجيل الذي بحوزتي اثبات على الرشاوى، وأذكر وقتها كيف شتم المسؤول لأنه تسبب بإحراجه أمام الإعلام!
للمفارقة، ومع أني وقتها وثّقت الفساد بالصوت والصورة، الا أنه بعد عرض التحقيق تحرّك مجموعة من المهندسين، الذين على ما يبدو شركاء في هذا الفساد ومستفيدين منه، واستنكروا ما ورد من معطيات ليعطوا شهادة نزاهة، شاركهم فيه الوزير، للمسؤول المعني. ومع أن المدعي العام المالي طلب نسخة من التحقيق التلفزيوني للتحقيق بالموضوع، ولا أعرف أصلاً إن حصل ذلك، ولكن المسؤول بقي في منصبه ولم يتغيّر أي شيء، بل على العكس، فعلى حد تعبير أحد المهندسين "بطّلت فارقة معهم... صاروا يرتشوا على عينك يا تاجر". 
للأسف، في لبنان كل شيء يسير بهذه العقلية، من يكون مدعوماً يكون عنده نوع من الحصانة على المحاسبة، بغض النظر عن مسؤولياته أو تبعات مخالفاته. حتى المواطنين، بات كثر منهم يحدثوك بمنطق يفتقد لأدنى شروط المسؤولية الوطنية تحت شعار: "شو بدنا نكون ملكيين أكثر من الملك... اذا المسؤولين وما فارقة معهم أنا بدا تفرق معي"!
اذا نظرنا إلى المشهد العام في هذا البلد، نرى أن السياسيين أشبه بمدبرة منزل مستهترة، لا يهمها أمر المنزل أو نهوضه، كل همّها ما تحصل عليه شخصياً، علانية كبدل خدمة أو سراً في غفلة من صاحب البيت؛ والمواطنون هم أشبه بالأولاد القُصَّر في هذا المنزل، ليس لديهم الوعي الكافي لإدراك خطورة التسيّب، وعندما يُولّى عليهم شخص غير مسؤول، سيجرّون معه المنزل إلى الخراب... كما هو حاصل في هذا الوطن!
الفارق بين المعادلتين أن صاحب أي منزل لديه الخيار والسلطة في التخلي عن خدمات مدبّرة منزل غير مسؤولة، وربما محاسبتها أو بأقل تقدير الاستعانة بأخرى أكثر كفاءة؛ أما نحن كشعب فما في يدنا حيلة، فمدبرو هذا الوطنينصّبون أنفسهم علينا تحت سطوة العاطفة الطائفية، يحملون الشعارات الدينية ليطوعوا الشعب لانتخابهم والدفاع عنهم لاحقاً؛ وتبحث عن أخلاقيات الدين في سلوكياتهم، فتجد الكفر جهاراً!
يقول لي كوان يو: "تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل"، ونحن في هذا البلد وفي الكثير من البلدان العربية، اذا لم نبدأ بتنظيف المؤسسات من الفساد على هذا النحو، ستطمس الأوساخ معالم الدولة وما بقي من هيبتها، كما طمرت النفايات الكثير من شوارعنا في ذلك المشهد المخزي على الشاشات العالمية!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه