Friday, November 23, 2018

لأننا نحب هذا الوطن!

"كلنا للوطن للعلا للعلم"... هكذا يبدأ النشيد الوطني اللبناني، ولا تحتاج وقتاً لتعرف الموسيقى التي تُعزّف لهذه الكلمات، ولكن للوهلة الأولى قد تحتاج برهة لتستوعبها رنة تطالعك على الجانب الآخر عند اتصالك بأي رقم هاتف لبناني... هذه المبادرة من شركة الاتصالات MTC بمناسبة عيد الاستقلال جعلتني أقف قليلاً بيني وبين نفسي، أنا التي بت غاضبة على كل شيء في هذا البلد. 

عندما سمعت الموسيقى شعرت بعاطفة وطنية تتسلل إلى داخلي، وأعادتني بالذاكرة بضع سنوات إلى الوراء يوم كنت أعيش خارج لبنان، وقتها قال لي زميل أردني "غريبون أنتم اللبنانيون لو مهما تغربتم، دائماً تفكّرون بالعودة إلى بلدكم وبناء منازل لكم على أرضه". 

نعم، نحن كلبنانيين يُشهد لنا بأننا نحب هذا الوطن. رغم كل المساوىء ورغم أن كثر منّا اختاروا الغربة أو حتى الهجرة لأنهم فقدوا الأمل، وكثر على هذه الخطى؛ إلا أننا لو أينما ذهبنا يبقى في داخلنا ذلك الحنين وذلك التعلّق الفطري بهذه الأرض. ربينا على الحب لهذا البلد الصغير، وفي لا وعينا، نربّي أولادنا كما ربينا نحن. كنا أطفالاً نحتفل بفرح بذكرى الاستقلال واليوم أصبحنا كباراً نعيش نقمة على حالنا، ولكن عيوننا تهلّل للفرح في عيون أطفالنا وهم يحتفلون بهذه الذكرى، سواء من خلال البزات العسكرية الصغيرة التي يرتدونها أو بإنشادهم النشيد الوطني بعفوية براءتهم. 

نعم، نحن شعب عاطفي، ليس فقط كلبنانيين بل كشعب عربي بشكل عام. وهذه إحدى نقاط الضعف التي يبني عليها السياسيون استراتيجياتهم ليسيطروا علينا ويحكمونا رغم فشلهم، على خلاف الشعب الغربي الذي يتعاطى بمنطق العقل والحقوق اجمالاً؛ فمثلاً في دولة عظمى مثل أميركا ترفع مؤسسة إعلامية (CNN) دعوى على رئيس البلاد لما اعتبرته إساءة بحق أحد مراسليها، أما في لبنان فممكن أن تجد جيش إلكتروني من الشباب يدافعون عن سياسي ما بشراسة، علماً أنهم في قرارة أنفسهم قد يكونوا يعرفون أنه على خطأ، ولكن يدافعون عنه لأنهم يحبونه... لأنهم متعلّقون به عاطفياً! 

اذا كان التعلّق العاطفي بالزعماء هو النقطة السوداء التي أدت بنا إلى الهاوية الاقتصادية الاجتماعية والمعيشية التي نغرق بها، إلا أن التعلّق العاطفي بالوطن هو نقطة قوة لأنه يجعلنا نخلق الأمل من العدم ونعطي حافزاً لأنفسنا بأن نعمل ليكون غداً أفضل! 

في كل مناسبة وطنية، نكون في لبنان فريقان، فريق ينغمس عاطفياً بالذكرى حد التطرّف الذي ينسيه الواقع، كالنعامة التي تطمر رأسها في التراب وتقول أنا لا أرى شيئاً، وفريق آخر يتعاطى معها بتهكّم نابع من نقمة سوداوية يعيشها بتطرّف... 

وكلاهما ينتقد الآخر وأحياناً بقسوة جارحة! كلاهما على حق وكلاهما مخطىء... وهنا دور الميزان بين العقل والعاطفة. 

نعم نحن كشعب نحّب هذا الوطن أكثر بكثير من أولئك الذي عبروا فوق عواطف الناس ليصبحوا مؤتمنين على بلد، وأساؤوا لهذه الأمانة. نحن كشعب ليس لدينا سلطة لنغيّر مصير بلدنا، ولكن يمكننا بسلطتنا الصغيرة على يومياتنا أن نبدأ بالتغيير، كل من موقعه. 

حب الوطن ليس في الاحتفالات بالمناسبات الوطنية وإن كانت تدغدغ فينا مشاعر الوطنية؛ حب الوطن يكون بأن نبدأ بأنفسنا بالتغيير حيث نتمكّن، وكلّنا نستطيع أن نفعل شيئاً، لو مهما كان صغيراً مثل أن نفرز نفاياتنا في منازلنا... بالتراكم سنُحدث فرقاً. 

حب الوطن ليس في رفع العلم الذي تتوسطه الأرزة، حب الوطن يكون في زرع هذه الأرزة والحفاظ عليها وعلى المحميات والموارد الطبيعية من التلوّث. 

حب الوطن يبدأ من أصغر تفصيل نعيشه في يومياتنا... شخص واحد لا يستطيع أن يغيّر ولكن الجماعة يمكن أن تغيّر، وكثيراً. حُكم علينا بسياسيين يُمعنون بخراب هذا البلد بعد عَماهم بفساد أنساهم ماذا تعني الوطنية، ولكن لا شيء يبقى على حاله، وحتى يأتي التغيير الحقيقي علينا أن نبدأ بأنفسنا... لأننا نحّب هذا الوطن! 

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

Monday, November 12, 2018

بلد "أمرك نصرالله"

عندما يُقال لنا إن لبنان خاضع لسلطة حزب الله نعترض ونتململ،فمن المهين لنا كلبنانيين أن يكون مصير بلدنا محكوم بفكر ديني أحادي التوجّه، لديه أجندته الخاصة عسكرياً سياسياً وإقليمياً. 

على مدى الأشهر الماضية من محاولات تشكيل الحكومة، وعدا عن تمسّكه بوزارة الصحة، كان حزب الله محايداً والخطاب العلّني للسيد حسن نصرالله هادئاً، وكان التوتر والأخذ والرد محصوراً بالأقطاب السياسية الأساسية والمتنازعة أصلاً على الحصص والحقائب السيادية. 

ولكن النبرة التي خرج السيد حسن نصرالله يتحدّث بها في "يوم الشهيد"، تنبىء بأن منطق القوة الذي ينطلق منه يهمّش فيه أي سلطة أخرى غير سلطته وسلطة حزبه، بما فيها رئاسة الجمهورية. خرج ليقول "لو بدي عطّل تشكيل الحكومة لدّي الجرأة لأقول ذلك وأستطيع"، وفتح نيرانه على بعض الأحزاب السياسية الأساسية، رامياً كرة الحلّ في ملعب السنّة المستقلين. السنة المستقلون الذين لا نذكر أنه سبق وعلّق تشكيل الحكومة عند حصّة لهم في أي من الوزارات السابقة، ولا نعرف من أي خلفية خرج حزب الله ليطالب بحصّة لهم الآن، ويضع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري تحت الضغط، فحلّ العقدة هذه المرّة مرتبط بتنازل الحريري شخصياً. 

اذا عدنا بضعة أشهر إلى الوراء، تحديداً إلى النتائج التي خرجت بها "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" والتي كانت تحقّق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وكلّفت الخزينة اللبنانية، العاجزة أصلاً، ملايين الدولارات... اذا عدّنا إلى تعاطي الحريري الإبن مع نتائجها التي تدين حزب الله، كان مستسلماً أكثر من اللازم، وأي مراقب سيعي أن ذلك نابع من خوف ما،ولتوخي عواقب ردود أفعال يعرف سلفاً أنها ستكون وخيمة على البلد. 

نحن كلبنانيين لن يتغيّر علينا شيئاً بين حكومة تصريف أعمال وحكومة جديدة، فالهدر والفساد والصفقات المشبوهة ستبقى هي هي فقط سيتبدّل اللاعبون في كل وزارة، ولكن خطاب السيد نصرالله وضعنا تحت الأمر الواقع وبالفم الملآن، نعم هو من يتحكّم بالبلد ومن منطق سلطة القوة، قوة السلاح بطبيعة الحال. فهذا الحزب الذي لم يعد خافياً على أحد قوته العسكرية والميدانية والتي تفوق القوة العسكرية للدولة اللبنانية، وجّه في 7 أيار 2008 رسالة إلى أي مسؤول تسوّل له نفسه أن يعترض مشاريعه بأن الرد سيكون عنيفاً على شاكلة اجتياح بيروت وترعيّب أهلها. والرسالة وصلت بالعنوان العريض، فمن رفع السقف في الماضي يتحدث الآن بمرونة وبتواضع أكثر من اللازم، والثقل المسيحي أصلاً عقّد حلفاً مع حزب الله، بغض النظر إن كان هذا الحلف يتعدّى المصالح السياسية للطرفين ويلتقي على أي من المبادئ؛فعلى سبيل المثال لا الحصر، من كان شبابه يضربون بالعصي ويُسجنون بسبب النظام السوري، من البديهي أنه لن يكون يصفّق لهذا النظام عن مبدىء وقناعة. أما الرئيس المكلّف فهو أصلاً وضع نفسه بموقف الضعف عندما قرّر التعالي على الجراح والعفو عن الذين أظهرت المحكمة الدولية تورطهم في اغتيال والده، ونتحدث هنا عن كوادر حزب الله، وذلك بحسب كلامه لتغليب مصلحة البلد. 

اذا نحن الآن أمام مأزق أكبر بكثير من تشكيل حكومة شدّ حبال ومحاصصة بين أطراف سياسية تتقاتل بجشع من يأخذ الحصة الأكبر، نحن أمام أمر عسكري يفرضه حزب الله، إما تسير الأمور مثل ما أريد أنا أو الفوضى... فوضى في بلد ما عدنا نستطيع أن نقول إن أي شيء فيه يسير على ما يرام، بلد على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، بلّد يصّح أن نقول إنه موبوء بيئياً وغذائياً وصحياً. وهكذا قد يكون في العلن، البيئة الحاضنة لحزب الله هي التي تردد "لبيك يا نصرالله"، ولكن في الواقع بلد بأكمله يردّد خاضعاً "أمرك نصرالله"!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

Monday, September 24, 2018

أطفال سوريا.. عمّال الملاهي

"عمري 10 سنين وأنا بشتغل بالحمامات هونيك بس أوقات بجي بساعدهم هون"... هكذا أجابني الطفل السوري الذي كان يشغّل إحدى الألعاب في مدينة الملاهي... استوقفني جداً صغر حجمه،وضايقني كيف أنه بهذا العمر الصغير يعمل في المكان الذي يقصده الأطفال ليرفهوا عن أنفسهم.. لم أستطع مقاومة الإلحاح في داخلي للتحدث اليه.
مع أنه لم يتسنى لي التحدث إليه مطولاً، ولكن كان مهماً بالنسبة لي أن أسأله اذا كان يتعلّم فأجاب بالايجاب، وجوابه أراحني... لاحظت بعض العدائية في تعاطيه مع الأطفال الذين يركبون لعبة فناجين الشاي التي يشغّلها، كنت أود أن أسأله عن شعوره وهو يرى الأطفال يتناوبون على الألعاب التي يشغّلها هو ويطفؤها هو... كنت أوّد أن أسأله هل هو سعيد، بماذا يحلُم، كيف يرى الغد!
لكنه ذهب قبل أن يتسنى لي أن أسأله حتى عن اسمه، وما هي الا لحظات حتى جاء طفل أكبر منه بقليل، لا أدري ما الذي جعلني أتكهّن أنه أخاه، وكان تكهني صائباً... سألته عن عمره،واذا به يكبر أخيه بثلاث سنوات. حاولت أن أفهم منه لماذا يعمل،واذا كان ذلك لأن والده غير قادر على إعالتهم، أعطاني جواباً مبهماً بأنه يحّب أن يعمل في الصيف. أردت التأكد اذا كان يتعلّم فجاء جوابه مفعماً بالفرح وبصوت أعلى، نعم تسجلت في المدرسة.
الأسماء ليست سوى علامة ولكن لا أدري لما بالفطرة دائماً يكون عندنا الفضول لمعرفة اسم الشخص الذي نتحدث اليه، وهذه المرة سألت مبكراً عن اسمه، جاء الجواب محمد. وأخاك؟ فريد. أخبرني محمد أنهم من إدلب، وكان مبتسماً وهو يخبرني. وعندما سألته عن حال إدلب، وإن كانت الحرب لا تزال دائرة فيها، هز رأسه والابتسامة لا تفارق ثغره، نعم.
استأذنته "فيني صورك"؟ صمت ولم يجب... توقعت أن جوابه يعني النفي، فسألته مره أخرى، فقال "على عيني"... وقف جامداً وهو ينظر إلى عدسة هاتفي، وبعد أن التقطت صورتين، قلت له يبدو إنك لست سعيداً، فابتسم للكاميرا لألتقط له صورة أفضل! بحثت عن فريد لألتقط له صورة أيضاً، ولكني لمحته من بعيد قرب الحمّامات حيث يداوم، وعاد واختفى عن ناظري قبل أن أصل إليه!
قصتي مع فريد انتهت هنا. خرجت من مدينة الملاهي وأنا أسأل نفسي اذا كانت معاناة هؤلاء الأطفال تقتصر فقط على هذا العذاب المعنوي، أن يعملوا حيث يفترض أن يلهوا.. أن يروا الفرح في عيون الأطفال والشقاء بارز في عيونهم... تساءلت أيضاً عن كم المشاكل النفسية التي ستربى معهم وترافقهم حتى يصبحوا رجالاً... هل سينتبه أحد لها؟ وهل سيساعدهم أحد على تخطيها؟
في كل دول العالم، الأطفال هم على سلّم الأولويات، إلا في بلداننا العربية... الكبار يخوضون الحروب والأطفال هم أكثر من يدفعون الثمن!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

Wednesday, September 12, 2018

البيئة لا تحتمل كيديات... البيئة حياة!


"البيئة ترف"... كثيراً ما كنت أسمع هذه العبارة أول عهدي مع الصحافة البيئية، تلك الصحافة التي كان الناس يعدّونها للمترفين فقط، وشاءت الظروف أن أبدأ مشواري المهني بها
خلال ثماني سنوات من الخبرة مع الصحافة البيئية، بين المطبوع والمرئي والمسموع، كانت لي الفرصة أن أعمل عن كثب مع أولئك "المترفين" الذي يحبون البيئة ويدافعون عنها. تعلمت الكثير من المختصين منهم، وأدركت كم الوسائل الموجودة أمام السلطة لحلّ الكثير من المشكلات المتأزمة، ولكن لم يؤخذ بأي منها
كان يستفزني جداً التعاطي مع وزارة البيئة على أنها وزارة هامشية تعطى كجائزة ترضية لأحد الأطراف السياسية. والمستفز أكثر أنه في كل الوزارات التي تعاقبت، كان الوزير أبعد ما يكون عن فهم أي شيء يتعلق بالبيئة، علماً أنه علمٌ يحتاج إلى تخصّص أو بأقل تقدير إلى إلمام.
ومع الوقت عاد علينا إهمال البيئة في لبنان بالتلوث والأمراض... عاد بالموت، وما زالوا يعتبرون البيئة ترف، مجرّد رحلة تمويه عن النفس في الطبيعة، للمترفين!... لا ليست كذلك، البيئة هي حياتنا!
آخر الغيث في التعاطي السياسي مع البيئة، قرار وزير البيئة الحالي بإقالة أحد الموظفين الأكفاء من منصب حقق فيه الكثير. نعم وزير البيئة الذي غرقنا بنفاياتنا في عهده أخذ قراراً، بخلفية الكيدية السياسية بإقالة موظف شهدت شخصياً على كفاءته المهنية! في الوقت الذي معظم السياسيين، كل من موقعه، يدمّر بيئة لبنان وصحة اللبنانيين وحياتهم، هذا الموظف عمل بجهد وساهم بنجاحات مهمّة على صعيد المحميات والسياحة البيئية بلبنان حتى وصلت الأخيرة إلى العالمية، وهكذا لكيدية سياسية بين طرفين متقاتلين، يُقال من منصبه! لم يفكّر أحد بكفاءته؟
هذا القرار أعاد إلى ذاكرتي حادثتين حصلتنا معي أثناء عملي، إحداهما مع وزير طاقة أسبق كان على خلاف سياسي مع المحطة التي كنت أعمل بها، والثانية مع مقربين من التيارالسياسي التابع للمحطة.
الحادثة الأولى كانت في إحدى المؤتمرات الصحافية لوزير الطاقة آنذاك، وكان يتحدث فيها عن عنتريات "واهية" لحلّ أزمة الكهرباء. وقتها، وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي، اقتربت من الوزير لأساله لمّا لا يُستخدم غاز الميثان المنبعث من مطمر الناعمة في توليد الطاقة، وهكذا نساهم في حلّ المشكلتين المتأزمتين، النفايات والكهرباء.. إلا أنه رفض التحدّث إلى الكاميرا، ولنبقى على تعبير لم يكن لطيفاً في الرفض! وقتها انزعج زميلي، مهندس الصوت، وقال له بصوت عال "زعجك اللوغو".. أي لوغو المحطة، فلم يعلّق... انتهت الحدوثة هنا، أما مشكلة النفايات والكهرباء فلا تزال فصولها السوداء تتوالى!
الحادثة الثانية على المقلب السياسي الآخر. بعد شكاوى عدة من أبناء بلدة الناعمة والقرى المحيطة بها قررت أن أعمل على انتاج حلقة تلفزيونية عن مطمر الناعمة، ولأن المسؤولين عن المطمر كانوا مقربين من المحطة التي أعمل بها سُمح لنا أن ندخل بمعداتناوالتصوير في الموقع، علماً أن ذلك لم يكن مرحباً به لوسائل الاعلام. وقتها طلبت من خبير في الصحة والسلامة البيئية منالجامعة الأميركية في بيروت أن يرافقنا، وبعد تصوير الموقع وما يحصل بداخله، أجريت مقابلة مع الخبير، وحدثني عن كم الملوّثات والضرر الناتج عن المطمر... أذكر وقتها كيف دلّني إلى انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن تخمّر النفايات، ومع أنها يمكن أن تكون نعمة كهربائية، ولكن في حالة المطمر كانت خطر داهم لأنها كانت تطلق في الهواء ولم يكن يُعرف متى يمكن أن تنفجر.
ولإعطاء الرأي والرأي الآخر، طلبت مقابلة من إحدى الدوائر الرسمية المسؤولة عن المطمر، وخلال المقابلة صرت أشرح للمهندس المسؤول عما رأيناه وما قاله الخبير... أذكر وقتها قال لي غمزاً "نحن على نفس الموجة" وكان يقصد أن كلانا يعمل في مؤسسة تابعة لنفس التيار السياسي، فأجبته "ذلك لا يهمني، ما يهمني حقاً هو حياة الناس المهدّدة بالخطر"... ذلك كان كفيلاً بأن تبلّغني الإدارة، بعد اتصالات وردتها، بوقف عرض الحلقة قبل بضع ساعات من موعد بثّها!
سنوات مرّت على هاتين الحادثتين وعلى تركي العمل في الصحافة البيئية، ولكن اليوم أشعر بنفس الضيق الذي شعرت به وقتها، لم يسأل أحد من المسؤولين عن صحة الناس وسلامتهم، وما زلنا على هذا الحال بل وأكثر، أصبحنا نتخبط في واقع الكيدية السياسية
نعم السياسيون في لبنان مصرّون على أخذنا الى الحضيض، بمحاصصاتهم وصفقاتهم المشبوهة، واذا صودف وجود موظف كفوء يُقال من منصبه تنفيساً للكيدية السياسية... نحن كمواطنين لا يهمنا لمن ينتمي هذا أو ذلك، ما يهمنا أن يكون لدى أولئك المتحكمين بالبلد بعض من الانتماء للوطن!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
https://elaph.com/Web/Opinion/2018/09/1219217.html


Thursday, August 30, 2018

تطهير الفساد.. يبدأ من الأعلى!


"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"... كم ينطبق هذا القول لأحمد شوقي على واقعنا اللبناني، الذي يسير بنا إلى الحضيض الأخلاقي والاجتماعي وحتى الإنساني. انتشر مؤخراً خبر توقيف مدير مكتب حماية الآداب بتهمة الاتجار بالبشر. وكان سبقه قبل بضعة أشهر توقيف مديرة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتهمة فبركة ملف أمني على خلفية "ثأر" شخصي. 
لما وصلنا إلى هذا الدرك؟ لأن الفساد مستشري في الطبقة الحاكمة. لو كان رأس الهرم نزيهاً لخاف من هم في درجات أقل منه من العقاب، فبأي عين سيحاسب المذنب؟ ذلك الفساد، الذي بات على عينك يا تاجر، في السلطة الحاكمة يشجّع بقوة القيادات على مستوى أدنى بالتجرأ حتى على المس بمقدسات وظيفتهم وهو ما أدى إلى انتشار ثقافة الفساد كأمر واقع... 
حتى على المستوى الشعبي الاجتماعي، بات هناك تعريفات ملطّفة للنصاب مثلاً: "شاطر عرف يضبط حالو"! 
ما يحصل مؤخراً في لبنان أعاد إلى ذاكرتي تجربتين عايشتهمامنذ سنوات. الأولى مع شركة عائلية كانت رابحة جداً على زمن إدارة الأب قبل أن يتقدم في السن، ولكن بعد تقاعده بدأ أبناؤه بالتناوب على إدارة هذه الشركة وتشغيل الأقسام فيها، وهكذا بدأت بالتراجع حتى وصلت إلى حافة الإفلاس... وهنا بدأت الفضائح! كل إبن من الأبناء كان يعتمد وسيلة للسرقة من الشركة، من شركته بحسب المنطق... في هكذا حال قد يكون عادياً أن يسرق المدير، فلا أحد يعلوه مركزاً ليكشفه أو يحاسبه، ولكن المفارقة كانت في ما كان يفعله إخوته الذي يشغلون مناصب أقل سلطة، بحيث روى العمال كيف كانوا مثلاً يسرقون المازوت من مولدات الكهرباء التابعة للشركة، وكانوا يأذنون لهولاء العمال بسرقة ما يريدون، وما كان يتبقى عن حاجاتهم كانوا يبيعونه! فلنتخيل المشهد، شخص شريك في مؤسسة يسرق نفسه وليغطي على سرقته يشجّع الشهود على السرقة! أمر غريب حقاً، ولكن ذلك هو حالنا في ما اصطلح على تسميته "الدولة اللبنانية"، فمن سيحاسب اذا كان رأس الهرم، أي السلطة، فاسدة على مقولة "حاميها حراميها". 
الواقعة الثانية التي استعادتها ذاكرتي ما رواه لي أحد الزملاء عن فتاة كانت تعمل في مكتب قريب من عملنا في ذلك الوقت، وكان واضحاً عليها أنها متورطة بأشياء مشبوهة تبدأ بالسرقة وقد لا تكون تنتهي بالدعارة. وبحسب الحادثة التي رواها لي زميلي بأن تلك الفتاة ضبطت بالجرم المشهود، دعارة وتعاطي مخدرات، الا أنها لم تبت حتى في الحجز، اتصلت بمسؤول أمني رفيع المستوى وخرجت! نعم هكذا تسير الأمور في بلدي! في بلدي، تزداد حالات السرطان بمعدل ينذر بالخطر، بحسب تصريحات وزير الصحة السابق، وعلى مقلب السلطة تُعقد صفقات مشبوهة بمليارات الدولارات لشراء "محارق للنفايات" من دون أي دراسات لتقييم الأثر البيئي لهذه المحارق. علماً أن الكثير من الدراسات العلمية تؤكد على الارتباط بين انبعاثات محارق النفايات وتفشي السرطان. 
هذا غيض من فيض في جشع السلطة والمال في بلدي حيث الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً! 
يقول "لي كوان يو "تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى إلى الأسفل"، وذلك يختصر الحلّ لبؤرة الفساد التي يتخبط فيها لبنان، لا بد للتطهير أن يبدأ من أعلى الدرج! أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه



Saturday, July 28, 2018

هكذا يعاقب الأسد متحدّيه

هكذا يعاقب الأسد متحدّيه


نسرين عجب
GMT 6:19 2018 السبت 28 يوليو
لم أستطع يوماً أن أنسى تلك السيدة السورية التي قابلتها في زحلة قبل أربعة سنوات لتخبّر عن حالها بعد هروبها من سوريا إلى لبنان. 

كانت خائفة، تحاول أن تشيح بنظرها عني وكأنها تحاول أن تهرب من أسئلتي. في البداية، لم يكن سهلاً الحديث عن المأساة التي دفعتها إلى ترك منزلها والهرب، ولم يكن سهلاً أيضاً تطمينها من أن الكادر الذي اتخذناه لتصويرها سيحميها من أن يعرفها أحدوأننا سنغيّر صوتها، بقيت قلقة رغم تطمينات صديقتها التي قادتنا إليها. كيف هي سوريا؟ سألتها.. سوريا بتجنن قالتها بضحكة حزينة مع حمرة على وجنتيها... لم يكن سهلاً كسب ثقتها، خصوصاً مع حجم الرعب الذي كان واضحاً في نظرات عينيها وحركاتها المرتابة.. وأخذت تروي كيف أن "الارهابيين" أجبروها وعائلتها على ترك بلدتها ووطنها.. في البداية، كان مبهماً من هم الارهابيين الذين تتكلم عنهم ولكن ما لبث أن أتى الجواب "داعش" و"النصرة".. "ليسوا واعيين على ما يفعلوه.. لا أحد واعياً يفعل ما فعلوه".. قالت بغضب قبل أن تتحدث عن كمية المخدرات والحقن التي وجدتها في خزانة منزلها بعد أن عادت إلى بيتها، بيتها الذي احتلوه ومن ثم تركوه بعد أن سيطر الجيش السوري على البلدة. كان الخوف بادياً في عينيها وكلماتها، حرصت كثيراً أن تكرّر مراراً أنها مع النظام السوري، وكأنها تحاول أن ترفع عن نفسها تهمة ما، وكأنها تحفظ خط العودة، فهي قبل أي شيء أم وزوجة وأخت.. أم تخاف على أولادها الثلاثة وأخت فقدت أخاها وابن اختها الذي قُنّص ولم تستطع حضور دفنه.. زارها الموت فباتت تخافه، كيف لا وهي تحمل في عروقها دم بلد يشهد أفضع أشكال القتل والتعذيب.

أحداث السويداء الأخيرة أعادت إلى ذاكرتي تلك السيدة وكثر غيرها من السوريين الذين التقيتهم عقب الحرب السورية. بطبيعة الحال كان قسماً منهم موالٍ لنظام الأسد والآخر معارض، غالبيتهم كانوا متطرفين في موقفهم، الموال أو المعارض. ورغم موقفي الخاص من هذا النظام، ولكني احترمت وجهة نظرهم على أساس أنها مبنية على تجربة شخصية جداً. ما استوقفني، كي لا أقول استفزني، كيف كانت إحدى السيدات، وهي من المناطق الخاضعة للنظام، تدافع عن بشار الأسد معتبرة أنه رئيس صالح وأمّن لهم الكثير مما يحتاجه المواطن كالقروض الميسّرة على سبيل المثال.

كانت تلك السيدة تمدح الأسد وحانقة جداً ممن قاموا بالثورة، في الوقت الذي كانت حلب ودرعا تحت النار وتضيق الأطفال درعاً بالبراميل المتفجرة والتنكيل الذي يمارسه النظام بحق شعبه.

لم أرد أن أدخل معها في جدال سياسي، اذ عرفت أنه سيكون جدالاً عقيماً، ولكن اليوم بعد المجازر التي تحصل في السويداء أعتقد جاءها أسوأ جواب عن لماذا قام السوريون بالثورة، فهي الآن باتت تعرف حقيقة هذا النظام!
أشارت الكثير من التقارير الإخبارية عن كيفية وصول "داعش" إلى السويداء، الخاضعة لأمرة النظام السوري، وأشارت أيضاً إلى الأسباب التي وضعتها تحت مرمى الإجرام بعد أن كانت محيّدة إلى حد كبير عن ما يحصل في باقي المناطق السورية. كما لفتت إلى موقف الجيش السوري المحايد مما يحصل، وكأن الأسد يقول لأبناء هذه المحافظة، أنظروا ماذا أستطيع أن أفعل بكم اذا خرجتم عن طوعي.
كثر من المدافعين عن النظام السوري سيردون بأن ما يحصل يقوم به تنظيم داعش، نعم هذا صحيح ولكن ما هذه المصادفة بأن تعيش السويداء آمنة طوال فترة الحرب السورية، أي على مدى سبع سنوات، ولا يستعّر فيها الموت الا بعد أن رفض أهلها الرضوخ لما أمر به النظام!
ما هذه المصادفة أننا طوال الحرب السورية لم نسمع عن أي اشتباك بين مقاتلي "داعش" والنظام السوري!
قد يكون الجواب في ما قاله لي المخرج السوري فراس فياض مرة عندما سألته عن علاقة "داعش" بالنظام السوري، وهو الذي كان معتقلاً لدى كلا الجهتين؛ جوابه كان "داعش وليدة النظام"، وأعتقد أن أي متابع لتاريخ هذا النظام وأساليب التعذيب التي يعتمدها في المعتقلات تلتقي إلى حد كبير مع الإجرام الذي يتلذذ به "داعش"!




Sunday, July 22, 2018

بلد مخدّر قبل التشريع

بلد مخدّر قبل التشريع
نسرين عجبGMT 13:37 2018 الأحد 22 يوليو
هل هي مصادفة أن يأتي مشروع تشريع الحشيشة في لبنان بهذا التوقيت؟ أكثر من شهرين من الجدال على توزيع الحصص ولم يتوافقوا بعد على تشكيل حكومة... نعم فمفهوم الوزارات الخدماتي معكوس عندنا، الحقائب الوزارية امتياز  للسياسيين بالدرجة الأولى وليس للناس.

والنفايات التي تطمرنا وتلوث الهواء والمياه والصفقات مثل مرسوم التجنيس الذي عليه جملة علامات استفهام! وغيرها وغيرها من الملفات التي في أقل تقدير يجب أن تجعل الشعب يقلب الطاولة وينتفض!
كيف يمكن إلهاء الناس؟ تشريع الحشيشة في بلد، مواطنيه مخدرون أصلاً، والنكتة في الجزء الثاني من العبارة "لأغراض طبية"! بلا جميل التشريع كانت تزرع الحشيشة وتصنّع وتباع، وفي كثير من الأحيان أطّل المزارعون على الشاشات اللبنانية متحدّين الدولة وهي كانت أعجز حتى من أن توقفهم.. هذا في ما يخص الزراعة، على المقلب الآخر كثيرة هي التقارير التي تتحدث عن ازدياد تعاطي المخدرات بين الشباب اللبناني، فكيف مع تشريع زراعة القنّب؟ 
كيف يمكن لدولة مثل الدولة اللبنانية، المتخبطة بانقسامات الزعماء ومحاصصاتهم، أن تضبط هكذا موضوع شائك، وهي لم تكن أصلاً قادرة على ضبطه وضبط غيره من الملفات كتوقيف مطلوبين يطلّون كنجوم على الشاشات اللبنانية! 
هذا البلد هو بلد الخدمات، ليس بالمفهوم السياحي فحسب، بل بكل المفاهيم وعلى رأسها الخدمات بين السياسيين، مرّر لي ذلك أمرّر لك ذاك، وهكذا وعلى عينك يا تاجر.. والشعب يدفع الثمن! 
كنا نقول إننا بلد الحريات وكان زملاؤنا في الدول العربية يحسدوننا على هامش الحرية الذي نتمتع به، أما الآن فبتنا بلد كم الأفواه، وباستنسابية، فالبعض لديه حصانة والبعض الآخر تحت المجهر للمعاقبة!
المشهد اللبناني الآن يعيد إلى ذهني ما قاله لي أحد الأصدقاء الفلسطينين، منذ بضع سنوات، بأن إسرائيل تستخدم المخدرات كسلاح ضد الفلسطينيين، فالشعب اليائس هو الأكثر استعدادا للانجرار في التعاطي، ومتى ما تورّط في الادمان يصبح من السهل التحكّم به! 
وسط اليأس الذي يعيشه الشباب اللبناني ومع تشريع الحشيشة، والتي هي بحسب رئيس جميعة "جاد - شبيبة ضد المخدرات" أول الطريق الى المخدرات... فأي حصانة تلك ستبقى للمجتمع اللبناني من التخدير وطمس الوعي؟

المونديال... لعب النخبة وحرب المشجعين!

المونديال... لعب النخبة وحرب المشجعين!
نسرين عجبGMT 5:21 2018 الخميس 28 يونيو
بداية عهدي مع المونديال كانت وأنا بعمر صغير، أذكر وقتها الحماس الذي رأيته عند زوج خالتي لحضور إحدى المباريات، ووقتها لم يكن في منزلنا أي اهتمام بكأس العالم، فمع أن والدي رياضياً ولكن لم يكن هاوياً لهذه اللعبة.

حماس زوج خالتي وأولادها كان لمنتخب البرازيل، ورحنا نتابع معهم المباراة ببراءة الأطفال وعشنا أجواء اللعبة كالمشجعين المخضرمين، من الصراخ عند تسجيل هدف للبرازيل والتوتر عند وشوك تسجيل هدف في شباكها! للمصادفة الجميلة ربحت البرازيل تلك المباراة فتحمسنا أكثر وتابعنا كل مباريات ذلك الموسم وكنا نهلّل في كل مرة ونحتفل مع المشجعين.. واكتملت فرحة الوافدين الجدد على المونديل بفوز البرازيل بكأس العالم، وهكذا كرّسنا أنفسنا مشجعين لفريق السامبا. للأمانة لم أتابع أي مباراة من مباريات الفرق الأخرى، الصدفة وضعتني في صف مشجعي البرازيل وكنت أجد نفسي أقرب إلى هؤلاء من مشجعي ألمانيا، والذين كانوا يتعاطون بفوقية واستهزاء مع المنتخبات الأخرى خصوصاً البرازيل وكان ذلك يستفزني ويزيدني حرصاً على التحيّز لمنتخب رونالدو وروبيرتو كارلوس في ذلك الوقت. ظللت في أجواء الحماس للمونديال حتى خسرت البرازيل أمام فرنسا، ووقتها، أنا التي ليست خبيرة بكرة القدم، لاحظت الخفّة التي كان يتعامل فيها لاعبي فريقي النجوم، وتأكد عندي ما كان يتم تداوله بأن البرازيل باعت كأس العالم إلى فريق الدولة المضيفة، فرنسا، مقابل تسديد ديون الدولة الفقيرة.. وقتها خاب أملي وقررت مقاطعة المونديال ولكني بقيت استفّز من تصرفات مشجعي ألمانيا!
هذه السنة ومن كثر الحماس حولي فككت حظري الذاتي على المونديال، وللمصادفة أول مباريات تابعتها كانت بين ألمانيا وكوريا الجنوبية! مع أني أعجبت ببراعة الفريق الآسيوي ولكني حزنت عندما رأيت الخيبة على وجوه منتخب ألمانيا، حتى أشفقت عليهم! عندها أيقنت أن مشكلتي ليست مع منتخب ألمانيا بل مع مشجعيه من حولي! ففي المونديال كما في السياسة كما في كل شيء نحن شعب يحكمنا التطرّف، التطرّف حتى العظم.. ملكيون أكثر من الملك! المضحك بالموضوع أن السياسي يعرف كيف يلعب على أوتار عواطف الناس ليحقّق غاياته ويرميهم من بعدها، أما اللاعبون فقد لا يكونوا يعرفون أصلا أننا موجودون على هذا الكوكب!! 

القدس لنا.. القدس عاصمة فلسطين الأبدية

القدس لنا.. القدس عاصمة فلسطين الأبدية
نسرين عجبGMT 12:24 2018 الثلائاء 15 مايو
تمت الصفقة، القدس التي كنا نتغّنى، كعرب، أنها لنا كرّستها أميركا لاسرائيل، تحديدا في الذكرى السبعين للنكبة  رافعة سقف التحدي والإهانة! هل هي مصادفة؟ قد لا تكون وإن كانت فالنتيجة واحدة: سبعون عاماً ودول عربية، لو قررت للحظة واحدة أن تثور لكرامتها، لاستطاعت أن تقف وتضع اسرائيل وأميركا عند حدّها، ولكنها ملوّثة بكل أنواع العار فآثرت اختيار أجندات أقل كرامة، فتواطئت وتخادلت مرة بعد مرة وسنة بعد سنة.

مواقع التواصل الاجتماعي مشتعلة بالحدث، وأرض غزة بالنار والدم، دم شباب يحاولون لملمة بعضاً من كرامة عربية ، تحديدا من القادة العرب! قادة تمرسوا في الكذب والكلام، شجبوا وأدانوا وعندما قتلت القدس مشوا على جنازتها! نعم هذا ما فعلوه ويفعلوه بكل ما تحصده هذه الحرب غير المتكافئة بين شباب لم يفقدوا الأمل في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، وبين بطش جيش غاشم يجيد تحريك العالم وفق مصالحه، فكيف بأرض معركة تحكم بها جيداً!
كيف لما يعرفوا بالقادة ألا يتأثروا، كيف لهم ألا يغضبوا، ألهذا الحد تخدروا؟ ألهذا الحد ماتت الرجولة في عروقهم؟ ألا يخجلون من أنفسهم ونساء عزّل ينزلن إلى الشارع ويحاولن الدفاع عن أرض مغتصبة ولو بحجر؟ ألا يخجلون من نظرات أطفال فلسطين؟ لا لا يخجلون ففي عجقة الرفاهية التي يتنعمون فيها في قصورهم باتت الصور والأخبار الآتية من فلسطين مثيرة لنكد غير مطلوب، ففعلوا ما تفعله النعامة، وضعوا رؤوسهم في التراب ليقولوا لا نرى! 
ستبقى رؤوسهم في التراب ولن يشفوا غليل فلسطين يوماً، فهي فقدت الأمل بهم منذ زمن ولكن لا بد أن يأت اليوم الذي تنتفض فيه القدس لنفسها ولشعب، رغم كل اليأس الذي يحيق به، يقاتل حتى آخر رمق، مرددا على صوت عالٍ: القدس لنا... القدس لنا... القدس عاصمة فلسطين الأبدية!

تصبحون على وطن

تصبحون على وطن
نسرين عجبGMT 4:00 2018 الثلائاء 27 مارس
عندما أقروا قانون الانتخاب الجديد في لبنان ربّحونا جميلاً بالنسبية؛ طبعاً من تجربتنا العظيمة مع سياسيينا كنا على ثقة أن هذا القانون ما كان ليبصر النور لو لم يكن مفصلاً على قياسهم، ليخدمهم ويكرّسهم في مجلسنا النيابي.. أو بالأحرى مجلسهم فعلى ما يبدو لم يبق لنا من هذا البلد الا جنسية، تؤذينا في أحيان كثيرة أكثر مما تخدمنا! 

وبدأ مهرجان الانتخابات وبدأوا ينهالون علينا بصورهم وشعاراتهم ومهرجاناتهم الانتخابية، مهرجان من هنا وآخر من هناك.. نفس المضمون وكأن الكاتب واحد ولكن يختلف المؤدون.. والأهضم المرشحون الجدد من أبناء الوراثة السياسية والذين يرددون لنا الشعارات الرنّانة نفسهم... ماذا يعرف هؤلاء الشباب الوسماء عن الشباب اللبناني ومشاكله؟ كيف لهم أن يعرفوا وولدوا وفي فمهم ملعقة الذهب؟ ماذا يعرفون عن بطالته ومآسيه وهم لم يعيشوا أي من احباطاته فمع أول خضة في البلد تكون الطائرة جاهزة لتقلهم على كفوف الراح إلى فرنسا أو أي دولة أوروبية آمنة... ماذا لو خُض البلد وهم نوابا عن الشعب ماذا سيفعلون؟ هل سيستطيعو أن يتحملو الوهلة قبل الوصول إلى المسؤولية؟؟
على المقلب الآخر هناك شباب لبنانيين استوطنوا الشارع وعاشوا كل تفصيل من تفاصيل هذا البلد المتخبط بمشاكله والتي لا تبدأ بالنفايات ولا تنتهي بالفساد، عاشوا المر والأمّر، شباب عزّل من الارث السياسي في مواجهة محادل لوائح مبرمة.. لوائح يحرص المحنكون في السياسة على اتقان انتقاء أفرادها بشكل يضمن وصولهم في كل مكان، ولا مشكلة اذا صار أعداء الأمس شركاء ولا ضير في مال انتخابي هنا وهناك!.. المهم أن يضمنوا الكراسي لسنوات لا يمكن لنا أن نتوقع كم ستكون.. نعم نحن في بلد لا تحكمه لا  القوانين ولا الدساتير، بل مصالح السياسيين الشخصية! والمستفز في القانون الجديد أن الناخب ملزّم باللائحة كما هي فلا خيار له بالانتقاء، ماذا لو لم يعجبه أحد المرشحين على اللائحة؟ طبعاً هنا نتحدث بعيدا من لوائح السياسيين المقولبة والتي في الغالب من سيختارها يكون باصماً للسياسي الملك فيها، وبالتالي لن تكون فكرة الاختيار واردة عنده في الأساس؛ المقصود لوائح المجتمع المدني والتي بالطبع تتضمن مرشحين نرى فيهم بصيص نور للتغيير ولكن بعض المرشحين عن هذا المجتمع المدني ليسوا كذلك، بل قد يكونوا أقرب إلى نماذج مصّغرة عن السياسيين الحاليين، أو في أحسن حال إلى الوصوليين الذين يحاولون الصعود على أكتاف الشارع لينالوا شرف النيابة!!! وهكذا تضيق الحلقة أكثر فأكثر في أن تحقّق لنا الانتخابات النيابية تغييرا حقيقاً وفي مساء السادس من أيار المقبل، موعد الانتخابات العتيدة، وعلى وقع فرز الأصوات سنغني ما كتبه محمود درويش وغناه مارسيل خليفة "تصبحون على وطن"!!

من تصدير الإعلام إلى تصدير الشتام!

من تصدير الإعلام الى تصدير الشتام!!
نسرين عجبGMT 6:22 2018 الخميس 22 فبراير
يبدو أن المحطات اللبنانية أعجبها الشتام الذي يمارسه السياسيون على محطاتها وقررت أن تعلب اللعبة هي أيضاً، كيف لا فهي صاحبة الملعب وتمون على الحكام أكثر مما يمون السياسيون، وربما أكثر من مونة هي تفرض أجندة وعلى الأخبار والبرامج أن تنفّذ.

بالأمس وبعد مقاطعة طويلة لسهرات الثلاثاء على المحطات اللبنانية رغبت في أن أتابع، ليتني لم أفعل لأني أطفأت التلفزيون مشمئزة! ما الذي دفع بمحطاتنا اللبنانية الى هذا الدرك؟ وهل أصبحت المنافسة قذرة بهذا الشكل؟ لما لا تفرض كل جهة حضورها بالمضمون الذي تقدمه وتترك للمشاهد أن يحكم؟ ما ذنبي أنا كمشاهدة أن أعيش صراعاتهم في بيتي.. ما ذنبي أن أزّج، في منزلي، في حفلة شتام هنا وهناك؟ لوهلة شعرت أني عالقة بين شلة "زعران" في الشارع ومجبرة على سماع السباب بينهم أو على حد تعبير المثل اللبناني بين "نسوان الفرن"، نساء يقضين وقتهن بالتحدث على الآخرين أو بالحرفية اللبنانية "اللقلقة"! 
هل هذا هو الإعلام الذي يريدونه؟ لطالما كانت المحطات اللبنانية رائدة في تقديم المحتوى المتميز.. لطالما كنا قدوّة تحتذى؟ ما الذي أخذ بإعلامنا إلى هذه الحفرة المتسخة؟ يقول المثل عندما تتصارع مع الخنزير كلاكما يتسخ ولكن هو يستمتع بذلك.. وعلى ما يبدو أن هناك من يستمتع بحفلة السباب تلك!!! 
كمشاهدة ببساطة أغيّر الموجة، فما أكثر المحطات في عصرنا الرقمي هذا، ولكن الأزمة أن حفلة الشتام تلك ليست محصورة بالشاشات فهي تلاحقنا على وسائل التواصل الاجتماعي كافة، فلا مهرب من هذا التلوّث!! يجرون الشارع إلى هذا الصراع، كما يفعل السياسيون، فيتجند المتابعون ليدافعوا عن هذه المحطة أو تلك... عن وعي أو غير وعي باتوا جزءا من صراع بين أصحاب المحطات العتيدة، قد يكون صراعاً شخصياً أو تقاتل على ال ratings، ولكن هذا الصراع الشخصي شملنا نحن كمشاهدين غصباً عنا! 
كان يفترض بمن يعتبرون أنفسهم محترمين ومتعلمين أن يحترموا عيوننا وآذاننا في بيوتنا.. ولكن للأسف المحطات الإعلامية التي يفترض أن تكون صورة حضارية عن بلدنا هي الأخرى باتت تشبه منظر نفاياتنا على المحطات العالمية... مقززة!


الانتخابات وايحاءات المخلّصين

الانتخابات وايحاءات المخلّصين!
نسرين عجبGMT 12:29 2018 الجمعة 27 أبريل

بدأت أولى جولات الانتخابات النيابية في لبنان باقتراع المغتربين اللبنانيين في الدول العربية، لتستكمل في الدول الاجنبية، وآخر جولاتها في لبنان في السادس من أيار المقبل.

اذا نظرنا الى الموضوع من ناحية حقوقية، من الجميل جدا أنه للمرة الأولى يمارس المغتربون والمهاجرون اللبنانيون حقهم الدستوري في الاقتراع، خصوصاً بعد تسع سنوات من تهجير الانتخابات وتمديد السلطة السياسية لنفسها!
ولكن اذا نظرنا الى الموضوع من ناحية واقعية، ولأننا في لبنان اعتدنا على أن السياسيين لا يمكن أن يقدموا لنا شيئاً من دون مقابل، لا بد لنا من التوقف عند ما حصل في الآونة الأخيرة! قبل إقرار القانون الذي يسمح للمغتربين بالاقتراع جال وزير الخارجية على بلدان الانتشار وخطب باللبنانيين هنا وهناك، وزير الخارجة المرشح حالياً للانتخابات والذي لم ينجح عن دائرته في الانتخابات النيابية الماضية! طبعاً من خزينة الدولة وعلى حسابنا كشعب! الواقع يشرح نفسه، هذا ناهيك عن أن وزير الداخلية، والذي تشرف وزارته على الانتخابات، مرشح أيضاً! 
يقال "إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته" ولكننا في لبنان اعتدنا من باب التدابير الاحترازية اعتماد مبدأ "المتهم مدان حتى تثبت براءته"، وفي موضوع الانتخابات النيابية لا هذا المبدأ ولا ذاك سيجدون نفعاً بعد ٦ أيار، تاريخ الاستحقاق، لأن المحاسبة يفترض أن تكون في صناديق الاقتراع، وبعد فرز الأصوات "بيكون يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب".
الكل في حديث الانتخابات، اللقاءات السياسية وغير السياسية، نشرات الاخبار، البث المباشر، الحلقات الحوارية في الاعلام، وانعكاس كل ذلك في الجلسات بين اللبنانيين.
لا أدري إن كانت مصادفة أو أن حياتنا هي هكذا مبنية على التناقضات، في نفس الأسبوع، التقيت بصديقين يقترعان في نفس الدائرة، أحدهما حزبي والثاني ناقم على الأحزاب وداعم للمجتمع المدني. حديث الحزبي هو نفسه حديث المرشحين عن السلطة السياسية، شد العصب الطائفي والتهويل من الآخر، وحديث الناقم على الأحزاب رافض للسلطة الحالية وآمل في المجتمع المدني كفرصة للتغيير.
كلاهما على حق من الزاوية التي يقف فيها، فالأحزاب تطرح نفسها "المخلّص" للطوائف، والمجتمع المدني يطرح نفسه "المخلص" من الأحزاب! جربنا الأحزاب في السلطة، وثمار وعودها كان أننا غرقنا بنفاياتنا! لا يسعنا أن نحكم على المجتمع المدني فلم نجربه بعد! 
فيما الانتخابات النيابية حديث الساعة، صودف أنني أقرأ كتابا عن قوة العقل الباطني وكيف يمكن أن يتأثر، وهو في الحقيقة ربان سفينة خياراتنا في الحياة. 
لفتني في هذا الكتاب شيئاً يتناغم مع ما يحصل حالياً قبيل الانتخابات النيابية: "عقلك الواعي هو حارس البوابة ووظيفته الرئيسية هي حماية عقلك الباطن من الانطباعات المضللة والخادعة. وسبب أهمية ذلك يعود إلى أحد القوانين الأساسية للعقل، ألا وهو أن عقلك الباطن يسهل انقياده بالإيحاء...
وإليك مثالاً تقليدياً يوضح القوة الرهيبة للايحاء: تخيّل أنك على متن سفينة تترنح من جانب الى آخر، واقتربت من أحد الركاب الذي يبدو عليه الهلع، وقلت له شيئاً مثل: إنك تبدو على غير ما يرام، إن وجهك يبدو عليه الشحوب، إنني أشعر بأنك ستصاب بدوار البحر؛ هل تسمح لي بمساعدتك للوصول إلى قمرتك؟ ويتحول لون وجه الراكب إلى أصفر. إن إيحاءك له بأنه سيصاب بدوار البحر ارتبط بمخاوفه الذاتية وهواجسه، وقبل الراكب مساعدتك له للوصول إلى القمرة الخاصة به، وبالتالي، أصبح إيحاؤك له أمراً واقعياً."
هذا ما يمارسه المرشحون على الناخبين، إيحاءات من منبع مخاوف هؤلاء بما يخدم مصالح السياسيين وليس الوطن، فللأسف أكثر ما  نفتقد إليه في السلطة الحاكمة هو الوطنية!
قد يكون من باب التمني، ولكن الرجاء أن يكون اللبنانيون واعون في صناديق الاقتراع من كل الايحاءات التي تمارس عليهم، ويختارون بحسب ما يمليه عليهم عقلهم الواعي، لا ما يحاول المرشحون إملاءه على عقلهم الباطن! 

The voice kids.. فرح البراءة في ظل الألم!

The voice kids.. فرح البراءة في ظل الألم!
نسرين عجبGMT 5:30 2018 الأحد 4 فبراير
وسط الظلام الذي يضّج به العالم العربي، بصيص نور من عتمة... هذا الضوء الخافت هو في الحقيقة نور ساطع من طفولة أخذتنا معها الى عالمها البرىء، طفولة أنستنا حقيقة وواقع مرّ نعيشه كل يوم في هذا العالم العربي المتخبط بأزماته!
The voice kids هو من البرامج القليلة التي كنت أحرص على متابعتها وحتى في الإعادات لأن هؤلاء الأطفال، من أين ما أتوا، كانوا يأسروني، بصوتهم، بحضورهم وبراءتهم التي قلّ ما نصادفها في عالمنا المزّيف، فهؤلاء الصغار أنظف وأصدق.. وبكل ذلك أخرجوا المدربين حتى من عالم الكبار، فنسى الأخيرون مراكزهم وشهرتهم وراحوا مع صغار فرقهم إلى عفويتهم وطفولتهم، فرأينا وجهاً آخر جميل ومحبّب لفنانين متميزين.
بالنسبة لي لم يكن هذا البرنامج مجرد برنامج مواهب أطفال، بل كان شحنة تمدني بالطاقة الايجابية، فمن المرات القليلة التي أشعر فيها أني أبتسم طوال الوقت هو عندما أكون أسمع هذه الأصوات الصغيرة تغني بكل ثقة وفرح، وكأنها تعطي بحب أحلى ما عندها، غير عابئة بمنافسة غالباً ما تكون شرسة في عوالم من تخطوا مرحلة الطفولة.
هؤلاء الأطفال ليسوا فقط حناجر ترنّم بانسياب كأعزوفة جميلة، ولكنهم أصوات نابضة في وجه القهر والموت والأزمات التي تدمر العالم العربي يوماً بعد يوم! 
وحدهم أطفال the voice kids كانوا في كل حلقة يمدوني بأمل حقيقي، وكأن هؤلاء الأبرياء هم بصيص الانفراج وسط الظلمات التي تعبث بأقدارنا... وحدهم هؤلاء الأطفال الذين قدموا بمعضهم من بلدان شرذمتها السياسة، أعطوني شعور جميل بأن مستقبلنا سيكون أفضل، أو على الأقل جعلوني أعيش لحظات فرح مجردة من كل شيء.
أكثروا من الأطفال على شاشاتنا، فنحن مللنا زيف أقنعة الكبار، واشتقنا لبراءة تعيد لنا عفويتنا... اشتقنا لأن نصدّق وجوه تدخل إلى بيوتنا، وجوه تعطينا الأمان لنصدقها وتخلع عنّا رداء الشك والارتياب، ولو لساعتين من الوقت كل أسبوع!

ِشيزوفرينيا وأمرك زعيم!

شيزوفرينيا، وأمرك زعيم!
نسرين عجبGMT 14:45 2018 الإثنين 22 يناير
أحياناً أشعر أننا نحن اللبنانيين نعيش انفصاماً قسرياً، مستهله بنشرات الأخبار المسائية والتي تنهال علينا بكم من الأحداث الكفيلة بأن تعيش معها الكآبة، فهي تبدأ بهموم الناس ومآسيهم ولا تنتهي بالفساد السياسي الذي أصبح على عينك يا تاجر.
 فجأة تدق الساعة الثامنة والنصف أو التاسعة الا ربع حسب جدول برامج كل محطة وعندها تكون المحطات قررت أن تنقلنا إلى عالم آخر، إلى الطقش والفقش في برامج الترفيه، كما يسمونها، مع أشخاص آخرين، لنقل، إننا نراهم في لحظاتهم الفرحة... لن أدخل في التفاصيل هنا لأن هذه البرامج أزمة اجتماعية بحد ذاتها، ولكن أسأل أي حال هو حال غالبية اللبنانيين؟ الأول طبعاً، فلننظر حولنا، من منا لم يهاجر قريب أو أقرباء له، وتخرّج آخرون منذ سنوات وهم عاطلون عن العمل! والآن يضاف إلى الفئتين أولئك الذين يعيشون بطالة مقنّعة كالذين نسمع صراخهم مؤخراً على الشاشات لانهم قُبلوا منذ سنتين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية ولكن لم يعينوا بعد بسبب التوازنات الطائفية، بحسب التبريرات، ولكن لنقل لأسباب نجهلها لأننا في لبنان اعتدنا دائماً على أسباب معلنة وأخرى خفية لأي قرار سياسي! 
المضحك المبكي في الموضوع أن التوازنات الطائفية العتيدة تلك جعلت من الحكومة والبرلمان حلبة صراع، فكل طرف يحمل الدين أو الطائفة شماعة ليمرّر مصالحه الخاصة، فلنأخذ مثلاً ملف النفط والذي تعترض عليه الجهة المقابلة للجهة المعترضة على موضوع تعيين الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة!
نعم في لبنان أسهل شيء أن تجيّش الناس طائفياً وأصعب شيء هو أن يجدوا وقتاً لمراجعة حياتهم والتمرد على واقعهم الصغير. 
طبعاً كل ذلك مدروس فالسياسة المنتهجة هي تجويع الناس وعندها سيكون كل همهم كيف يؤمنون رزقهم كفاف يومهم، ويتغاضون أو لا يكون لديهم المجال للتفكير بالصفقات والكهرباء والنفايات وقانون الانتخابات.
قانون الانتخابات الذي فصلّه الحاكمون على قياسهم، طبعاً أخذهم بعض الوقت، تمديد لأنفسهم لتسع سنوات وشد حبال وعرض عضلات وطنية! 
 تسع سنوات كانت كفيلة، في أي بلد يحترم نفسه، أن يتغيّر كل الطقم الحاكم ونحن مازلنا لا ندري إن كان القانون سيخدمهم وبالتالي نمارس حقنا الدستوري أو يطالعونا بتمديد جديد!
أزمتنا كلبنانيين ليست هنا، أزمتنا أننا لم نتعلّم أن سياسيينا لم ولن يخدمونا كمواطنين، بل هم في الحقيقة يستخدمونا لخدمة مصالحهم!
 أجادوا على سنوات بالضرب على الوتر العاطفي، وخلق الخوف على الوجود، وبعضهم أجاد في إسكات المحتاجين بالفتات ليكرّس موقعه.. وبدل أن نتمرّد صار اللبناني يبحث عن نقطة قوة بأن يكون عنده واسطة مع الزعيم الفلاني أو العلّاني والأغلبية تتباهى عندما تحظى بهذا الامتياز!
 وهكذا يتكرر المشهد في كل المناطق وفي كل الطوائف!
هنا أود أن أسرد ما طالعني به صديق مصري بعد ثورة يناير، قال لي وقتها: "آباؤنا كانوا متعلقين عاطفياً بالرئيس ولذلك تحملوا القهر والعذاب لسنوات طوال، أما نحن فما عدنا متعلقين عاطفياً به ولذلك انتفضنا على الواقع وكانت ثورة يناير"! 
لا أدري إن كان اللبنانيون استسلموا للأمر الواقع أو صار هذا الواقع أمراً دمنوه ولكن على ما يبدو أن شبابنا لم يخرجوا بعد من التكبّل العاطفي للزعيم أو الرئيس، وقد لا يكون عندنا أمل في ذلك، فمصر التي انتفضت، بصرف النظر عن تبعات الثورة، ليس فيها ١٨ طائفة بزعماء محنكين تدربوا جيدا على شدّ الحبال الطائفية واللعب بعواطف الشعب ومشاعره!