Friday, October 15, 2021

حزب الله... السلم الأهلي ثمن الحقيقة!

"أطفال على الأرض في أروقة المدارس... أطفال مرعوبون يحتمون من الرصاص خلف السيارات... طفلة بزيها المدرسي خائفة، يقيها عسكري في الجيش اللبناني ببذته وعتاده"... لا أقوى على محي هذه المشاهد من مخيلتي، ولا يذهب صوت الرصاص من أذني... أنا الراشدة التي تشاهد من خلف الشاشة، فكيف سيقوى هؤلاء الأطفال على تخطى الرعب الذي عاشوه؟ من سيعالجهم من الصدمة التي خزنوها في لا وعيهم، كما خزّن أهلهم مثل هذا الرعب منذ ثلاثين سنة ونيف... يوم استعرت الحرب الأهلية اللبنانية!

لم أعش الحرب الأهلية، استمعت إلى قصص متقاتلين على الجبهات، وقد يكون من حسن حظي أن كل الذين التقيتهم وسمعت قصصهم كانوا نادمين لأنهم فهموا أن الحرب لعبة قذرة لا ربح فيها، الكل خاسر. كنت أعتبر ذلك امتيازاً لنا كلبنانيين لأن الذاكرة الجماعية ستنقل هذا الوعي جيلاً بعد جيل... كم كنت مخطئة... في لبنان هناك من يعشقون الدم والحرب، وفي يدهم قرار الحرب والسلم ولا يفوتون فرصة ولا يغتنموها ليستعرضوا السلاح ويذكرونا بشبح الحرب الأهلية.

"الميني حرب أهلية" في 14 تشرين الأول 2021 هي إعادة لشريط الحرب على نفس خطوط التماس القديمة "الشياح – عين الرمانة"... في 13 نيسان 1975 أشعلت بوسطة عين الرمانة فتيل الحرب، ويومها كان الوجود الفلسطيني المسلّح هو الشرارة... أما اليوم فلم يكن هناك حاجة إلى شرارة خارجية، الكل يتسلّح والكل على سلاحه، وهناك طرف يستقوي ويستعرض بسلاحه، من 7 أيار 2008 يوم وجّه سلاحه "المقدس" كما يدّعي إلى الداخل اللبناني، مروراً بالعراضات المسلّحة ابان ثورة تشرين والاعتداء على الثوار في ساحة الشهداء واحراق خيمهم أمام أعين القوى العسكرية، إلى أحداث خلدة المنصرمة وصولاً إلى يومنا هذا...

من بدأ بأحداث تشرين الدموية؟ من استفّز؟ هل هناك طابور خامس استغل الأحداث؟ لا أحد يملك أي معلومات حتى الساعة ولكن لنتحدث عن السبب المباشر لما حصل، تظاهرة لمناصري حزب الله وحركة أمل لكف يد القاضي طارق بيطار عن التحقيق بجريمة انفجار مرفأ بيروت... تحمل اسم تظاهرة ولكن بلمح البصر تحوّلت بعدها شوارع بيروت إلى ساحة حرب، بكل ما للحرب من معنى... ما هذه المصادفة!

ماذا فعّل القاضي بيطار؟ استدعى وزراء ونواب ومسؤولين للتحقيق، من بينهم مسؤولين تابعين لحزب الله... واستشاط أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله غضباً، وبدأ بهجومه على القاضي بيطار الذي لم يسلم منذ تسلّمه ملف التحقيق من حرب تجييش نصرالله والاعلام التابع له... يتهم القاضي بأنه مسيّس... مهلاً، أليس السيد نصرالله نفسه من قال إنه يثق بالقضاء اللبناني ولا يثق بالمحكمة الدولية التي اتهمت سليم عياش، التابع له باغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ ما باله، لم يعد القضاء اللبناني محط ثقته؟ أم أن المسألة استنسابية، وكل شيء يتعلق بتورط حزب الله تهمته جاهزة... مسيّس... ما هذه المصادفات العجيبة!

في السياسة، يحدث أن يشّن أركان السلطة حروباً على بعضهم البعض، ولكن مع السيد نصرالله نشهد حرباً على الحقيقة، بكل الأساليب... الاتهام، التهديد العلني، واليوم بالسلاح في الشارع! وما يفعله يدينه أكثر مما يبرؤه.

كل مرة يستشعر فيها السيد نصرالله الخطر على هالة حزبه ومصالحه ترتفع وتيرة تهديداته، والسلم الأهلي ليس بمأمن من هذه التهديدات.

اليوم، كما في 7 أيار وثورة تشرين، يقول لنا حزب الله "أنا الحاكم بأمر هذا البلد، سيادته بيدي، وقرار الحرب والسلم فيه من صلاحياتي... ومن يعصي أوامري فليتحضر للحرب"... السلم الأهلي ثمن الحقيقة!

 https://elaph.com/Web/opinion/2021/10/1454106.html

Sunday, August 8, 2021

4 آب... سنة على أشلائنا!

لن تمحي ذاكرتي تلك اللحظة في 4 آب 2020.. كنا نقف على المدخل، سمعنا ضربة واهتز بنا المنزل كله لدرجة أني شعرت أنه سيهبط فوق رؤوسنا... صرخ لا وعيّ لتردد خلفه شفاهي، هذه اسرائيل تقصف لبنان... بلحظة عادت إلى ذاكرتي حرب تموز واتصال زميلتي في الصباح الباكر قائلة: "ما تنزلي عالمكتب إسرائيل قصفت المطار وشكلها رح تقصف بيروت"... هرعت إلى التلفاز، ورحت أقلّب بين المحطات واذا بها تنقل من بيت الوسط موحية بأن الهدف هو الرئيس سعد الحريري، فنحن كنا على أبواب حكم المحكمة الدولية بجريمة اغتيال والده... واستحضرت ذاكرتي يوم 14 شباط 2005 عندما سمعنا دوّي انفجار من مكتبنا الكائن بوقتها في منطقة بشارة الخوري وراحت زميلتنا الخمسينية التي عاشت أهوال الحرب الأهلية تولول خوفاً، يومها رأيت رعباً في عينيها لم أره قبلاً!

لم يكن الحريري مستهدفاً، ولا نعرف إن كانت اسرائيل هي التي قصفت.. ولكن رعب اللحظة، رغم قساوته لا يأتي شيئاً مقارنة بتردداته، خصوصاً النفسية... لم أخسر قريباً في انفجار مرفأ بيروت ولكن أخذني الكثير من الوقت لأستوعب الصدمة... صرت أهرب، أهرب من الأخبار وعداد الضحايا... أهرب من الفيديوهات التي تصلني على هاتفي... أهرب من ذعر الناس وبيوتهم المدمرة... أهرب من دموع الأمهات الثكالى... أهرب من صوت أخ أو أخت، إبن أو إبنة يبحثون عن مفقود بين الركام... أهرب من كلمات خطيب سحر العروس وعيون رالف المغوار وغيرهم وغيرهم من الضحايا... أهرب من لحظات رعب سجلتها الكاميرات وشاركها الأصدقاء... ولكن الهروب لا يشفينا، الهروب يخدّر الوجع فينا.. يؤجله للحظة ينفجر فيها كل هذا الوجع دفعة واحدة.

سنة مرّت، ولم يحاسب أحداً! كشفت بعض التحقيقات الاستقصائية الكثير من المعلومات التي توجّه أصابع الاتهام إلى حزب الله بتخرين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت وضلوع نظام بشار الأسد أيضاً، وكأن هذا الحزب لم يشبع من تدمير لبناننا وذلك النظام لم يشبع من دمائنا.

سنة مرّت، عُيّن قاضياً للتحقيق بجريمة المرفأ وأعفي من مهامه عند أول استدعاء لسياسيين، ليعيّن قاضياً آخر وتعرّقل تحقيقاته عند الحصانات السياسية... في هذا البلد حتى على دماء الشعب هناك حصانات... حتى على تفجير بيروت هناك حصانات... تحاصصوه ولم يُحاسبوا، سرقوه ولم يُحاسبوا، فجّروه ولم يُحاسبوا!

ما همّنا بمن فجّر بيروت ومحاسبته، فالمحاصصة في الحكومة أهم!

ما همّنا بمن فجّر بيروت ومحاسبته، من يأخذ وزارة الداخلية ليتحكّم بالانتخابات المقبلة على مزاجه أهم!

ما همّنا بمن فجّر بيروت ومحاسبته، من حصة من تكون الوزارات السيادية لنهب أي مساعدات قد تأتي للبنان أهم!

ما همّنا بمن فجّر بيروت ومحاسبته، الرحلة إلى رئاسة الجمهورية أهم!

لم يوّفر أي من الساسة طوباويته وقداسته على المنابر، الكل يحمل هم لبنان وحقوقه أمام عدسات الكاميرا ولا يفوّت فرصة في دق مساميره في نعش هذا البلد خلف الأبواب المغلقة.

لبنانيون يبكون دماً على أحباء انفجروا في 4 آب ولم يبق منهم إلا أشلاء لا تملأ توابيت، اذا بقيت، ولا يطلبون سوى العدالة لأحبائهم والقصاص للمجرّم.. وسياسيون وقحون لا يخجلون... كلهم كانوا يعرفون بوجود نيترات الموت ولم يفعلوا شيئاً... وبعد سنة على الجريمة المروّعة يدوسون على أشلاء الضحايا في طريقهم إلى محاصصة حكومية من هنا وصفقة نيابية جديدة من هناك... وكأن شيئاً لم يكن... ما أنذلهم!

https://elaph.com/Web/opinion/2021/08/1447986.html

 

لعنة لبنان... لم يبقَ إلا الغضب!


 لا أعرف من يكون، لا أعرف اسمه حتى ولكني أصادفه ماشياً على طريقي، تقريباً يومياً... منذ بضعة أيام رأيته وابنته يجلسون على حافة في فيء شجرة وحولهم بضع ربط من الخبز... ظننت أنهم يأخذون استراحة قبل المضي في السير إلى منزلهم الذي يبدو أنه في الأرجاء... ولكن هذا المشهد بات يتكرر في صباحاتي وحتى مساءاتي... نفس الرجل، نفس ملامح الذل على محياه، مع أو بدون ابنته... يبيع الخبز على رصيف طريق فرعية!
لم أر أي من هذه المشاهد قبلاً، لم يسبق لي أن أصادف كم الذل الذي أراه في عيون رجال ونساء كل ذنبهم أنهم آباء وأمهات يحاولون أن يمنعوا عن أولادهم شبح الجوع... آباء وأمهات عيشوهم امتياز بلد الأرز، فتحمسوا للأسرة ولكنهم لم يعرفوا أن سويسرا الشرق سينهشها الزعران ويرموا أبناءها عظاماً متحركة على الطرقات!

ماذا يعني أن تكون لبنانياً حالياً؟
يعني أن تتحوّل إلى مرادف للغضب، وأن يتضاعف غضبك بمجرد أن تكون مواطناً في بلد انتزعت منه كل امتيازات المواطنة.
تغضب لأن طفلاً ترتفع حرارته، لا يجدوا له دواء فيموت!

تغضب لأن الفقر والجوع لم يعودا فيلماً من نسخ الخيال تتابعه عبر الشاشات بل واقعاً تراه بأم عينك كل يوم.
تغضب لأنك ترى رجالاً يصرخ يأسهم على الشاشات "بدي دواء لإبني"... "بدي أوكسيجين لبنتي".
تغضب لأن سياسة الأمر الواقع بسطت سلطتها على شعب بأكمله، شعب أصبح مخدراً لدرجة أنه اعتاد حتى الذل...
تغضب لأن سنوية انفجار 4 آب على بعد أقل من شهر، ولم يحاكم أي من المجرمين... ليس هذا وحسب يستدعي قاضي التحقيق مسؤولين أمنيين وبدل أن يمثل هؤلاء أمام القضاء تعلّق صورهم كأبطال، نكاية على الطرقات!
تغضب لأن بلدك بات كالغريق الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبدل أن يحاول من يدّعون حمايته انقاذه، يتفرجون عليه، يتنعمون بالشمس تحت مظلته بعد أن سلبوه كل ممتلكاته.
تغضب لأن من سرقوك على مدى ثلاثين عاماً لا يزالون هم أنفسهم الحاكمين، الآمرين الناهين، وبكل وقاحة يخرجون عبر الشاشات يحاضرونك بعفة ملطخة بأقذر الأوساخ.
تغضب لأن فسادهم انكشف بالأدلة الدامغة ومستمرون في استغبائك بخطابات النفاق... ولا تنتهي المهزلة هنا، فرغم كل ذلك هناك أتباعاً حاضرون للتصفيق والدفاع، إما مستفيدين أو أغبياء.
تغضب لأنك تحت سطوة تجّار دم وتجّار سلاح وفوقهم تجّار ضمير، فالأزمة كشفت أن أصغر تاجر لديه من الطمع ما يكفي ليتاجر بك وبقوتك اليومي.
تغضب لأن الدول التي أنت غريب عنها تحفّزك على الإبداع وابداعك في بلدك بات مرهوناً بأشياء لم تكن لتخطر ببالك في القرن الواحد والعشرين، بانقطاع الكهرباء وساعات تقنين المولدات الكهربائية.
تغضب لأن انتصاراتك باتت تقاس بملىء خزان سيارتك بالوقود دون أن تنتظر لساعات في طابور ذل طويل أمام محطات البنزين.
تغضب لأن أبسط حقوقك كإنسان مهدورة على مذابح المصالح الشخصية وجموح المال والسلطة اللامتناهي.
تغضب لأن حتى غضب الشارع على الساسة سرقوه لمصلحتهم، أطفأوا لهيب انتفاضة شارع محقة بطوابير من هنا وقمصان سود من هناك، فسكن الشارع وصمتت الحناجر.
تغضب لأنك تعيش أقسى أنواع الغربة في وطنك، وطن تحوّل إلى ساحة لايديولوجيات تفرض عليك نفسها بقوة السلاح والأمر الواقع، وطن تشعر فيه بكل شيء الا بالانتماء!
تغضب لأنك ما عدت تعرف أي لعنة تجابه، لعنة الحكام أو انعكاسات أفعالهم... تحاول أن تتمسك بأي خيط نور، ولو خيط رفيع تتعلّق به، ولكنهم بظلاميتهم أوصدوا عليك كل النوافذ، حبسوك في سوادهم ولم يتركوا ولا أي بصيص أمل.

وطن... لا غابة ذئاب!

 

دخل وعيناه على لائحة الأسعار المعلّقة، بصوت عال ومتفاجىء من ارتفاع السعر، ذكر سعر منقوشة اللحمة... وأمه تقول له عُد إلى الوراء.. عاد ليخفّف عن نفسه هول المفاجأة لا لا بـ 1500... والأم تقول له عُد إلى الوراء... لا ليست بـ 1500، هي أضعاف الأضعاف وتلك الأم المحرجة قد لا تكون قادرة على شرائها لولدها... في هذا البلد حتى المنقوشة لم يعد بمقدور الكثير من الناس تحمّل كلفتها!

من لا يستطيع أن يشتري منقوشة لحمة لولده قد يكون بمقدوره شراء منقوشة زعتر ولكن هناك الكثير من المواد التي لم يعد بمقدور الكثير من اللبنانيين الحصول عليها، من ضمنها حاجيات أساسية، كالزيت مثلاً... هذا عدا عن الأشياء التي انقطعت من الأسواق، والدواء ليس باستثناء!

طابور من السيارات أمام محطات البنزين، مشهد بات يتكرر ويزيد في يوميات هذا الشعب البائس... ينتظر وينتظر ليتصدّق عليه أصحاب المحطات ببضع ليترات من البنزين الذي لا يتوقف الساسة عن التهديد بأنه سيُرفع عنه الدعم، وقد لا يعود بمقدور الشعب تحمّل تكاليفه.

الكهرباء... ماذا نخبركم عن الكهرباء التي باتت تأتي كالزوار لبضع ساعات يومياً؟ والحال عينه مع ساعات التغذية من المولدات الكهربائية، والتي تحوّل أصحابها إلى سلاطين لهم الأمر والنهي ويحددون لك ساعات السهر والا تكمل سهرتك على الشمعة... نعم، نعم، نحن في القرن الواحد والعشرين واللبنانيون يعتمدون على الشمعة لتضيء ما عتمه الحكّام في قلوبهم وحياتهم؛ فالكهرباء، أكبر مزراب للهدر بالدولة اللبنانية لا تزال مشكلة المشاكل. ويأتيك رموز الفساد الذين وعدوا من أكثر من 15 سنة بكهرباء 24/24، ومنذ ذلك الحين يسرقون الدولة بصفقات بواخر وغيرها، يأتيك هؤلاء ويحاضرون بالعفة!

بورصة خسارة الليرة اللبنانية لقيمتها وصلت إلى 90 في المئة في بلد يقوم على الاقتصاد الريعي، بلد يستورد كل شيء، حتى ما يُنتجه يشتريه وبالدولار.

عن ماذا نتحدث؟ عن الودائع التي اغتصبها أصحاب المصارف ويذلون أصحابها على أبوابهم ليعطونهم ثلث قيمة دولاراتهم وبالليرة اللبنانية! سعر صرف الدولار وصل إلى 14 و15 ألفاً والمصارف تعطي بضعة مئات من الدولارات على سعر صرف 3900، بضعة مئات شهرياً، لا أكثر! لا وهيدا ليس كل شيء، خرج المصرف المركزي مُهدداً اللبنانيين بتوقيف القرار بالسحب على 3900، مما يعني العودة إلى سعر الصرف القديم 1500... ماذا فعل اللبنانيون؟ وقفوا بطوابير جديدة أمام الصرافات الآلية آملين أن يحصلوا على ثلث أموالهم بدل تبخرها كلياً! فوق اغتصاب حقهم، يُذلون ليأخذوا قطرات منه! وحاكم المصرف، الذي أثبتت تحقيقات استقصائية صحافية استغلاله لمنصبه وجنيه ثروة بالمليارات، لا يزال في منصبه يأمر وينهي!

بضعة أشهر ويسجّل عداد الزمن سنتين من إذلال اللبنانيين، بعد سنوات من سرقتهم، بداية بالخفاء ومن ثم على عينك يا تاجر! كل ذلك ولا يتحمل أي من هؤلاء الساسة مسؤولياتهم، لا يزالون يختلفون على الحصص تارة تحت مسمى الحقوق وتارة أخرى نكايات على قاعدة "القحباء التي تحاضر بالعفة"... فاسدون يحاضرون بالوطنية والأخلاق، والبلد وشعبه المغلوب على أمره يدفعون الثمن.

في الدول التي تحترم نفسها لا يسمحون لك باقتناء حيوان اذا لم يكن عندك بيئة مؤهلة له، وفي بلدنا شعب بأكمله محكوم بأشخاص غير مؤهلين لتطلق عليهم صفة انسان.. شعب يظن نفسه في حضن وطن، ولكن الحقيقة أنه ينتهشه الذئاب في غابة، الغلبة فيها للأشرس!

في العادة، يلجأ الانسان للقضاء ليحاكم من يغتصب حقه أو يتسبب بأذيته؛ لمن يلجأ هذا الشعب الذي أجبروه على عيش الأمر الواقع؟ هذا الشعب الذي حدوا تفكيره بكيف يؤمن أبسط حقوقه كإنسان، حاجياته اليومية!

ولكن يا شعب اطمئن، فالسياسيون خزنوا المواد الغذائية وسيفرجون عنها قريباً مع الانتخابات النيابية، وعندها ستعبّر لهم عن شكرك بإعادة انتخابهم!

كنا نظن أن زمن الاستعباد ولّى... كنا نظن أننا وصلنا إلى زمن التحضر.. ولكن في هذا الوطن... بئس ما ظنننا!

Thursday, June 17, 2021

وطن مذبوح.. يجترعون آخر قطراته

 

تعبنا ولم يكلوا... اختنقنا ولم يملوا... متنا ولم يشبعوا! ماذا بعد؟ إلى أي مدى يتوقعون أن يصبر الشعب على تبعات ما اقترفت وتقترف أيديهم من فضائع بحق هذا البلد الصغير الذي ينوء تحت سلطة تعنتهم؟

في القرن الواحد والعشرين، خلاف في إحدى السوبرماركت على عبوة حليب... إلى هذا الحد وصل بنا الحال في لبنان... الشعب الذي تفوق فكرياً في الخارج يعيش في بلده هاجس تأمين أبسط احتياجاته، قوته اليومي.. ويقاتل عليه خوفاً من ألا يجد غيره... بجشع المسؤولين وقلة ضميرهم وأخلاقهم حولوا الشعب إلى آلة أشبه بحيوانات الغابة تقاتل بغريزة البقاء؟ إلى هذا الحد من الذل أوصلونا!

ذل في كل شيء، وكأن الذل بات قوت اللبناني اليومي أينما ذهب، إلى المصرف، الصيدلية، السوبرماركت وحتى المستشفى.

هذا فيض من غيض المعاناة... الدولار يحلّق ومعه الدواء والمواد الغذائية (التي بات الكثير منها ينقطع في الأسواق). والحال عينه مع المحروقات والحاجيات الأساسية اليومية، حتى ربطة الخبر يسابق سعرها الريح. كل شيء يغلى ثمنه إلا قيمة اللبناني، فهو بالنسبة للساسة مجرد صوت في الانتخابات النيابية، فقط لا غير! صوت يشتروه وقت جوع السلطة والحكم ويرموه وقت شبعها!

كيف سيعيش المواطن في بلد أصبح الحد الأدنى للأجور فيه 67 دولاراً؟ كيف سيعيش والمصارف تحتجز أمواله وينام ويصحى على أخبار بأن شقاء عمره قد يكون كبش فداء سرقات على حسابه؟ والمصرف المركزي يطبع عملات بلا حساب... فوق مطرقة الأزمات، سندان التضخم!

كل ذلك، وسلطة لا تخجل، سلطة ابتلعت مليارات الدولارات من صفقات مشبوهة على حساب بلد منهك، ولا تزال تقاتل حتى آخر رمق لتحافظ على امتيازاتها... سلطة تحمي مجرمين فجروا بيروت وقتلوا مئتي انسان فيها، ما عدا الجرحى والدمار... سلطة فاسدة تحاجج بالفساد، وتخرج على الإعلام تتمسكن بالكذب والنفاق وادعاء الطوباوية مرة وبالخطاب الطائفي والذكوري مرة أخرى... هل هناك أوقح؟

لا لم يمّر على لبنان سلطة أكثر جشعاً ووقاحة من هذه السلطة الحاكمة... على مدى السنوات الثلاثين الماضية، لم تكن السلطات نزيهة، وانبعثت منها روائح الفساد والصفقات يميناً ويساراً، ولكن لم يشهد لبنان ظروفاً أكثر قساوة وهذه السلطة تبدّع في إبهارنا بأنانيتها ونرجسيتها، الوطن مذبوح وهي تستشرس لشرب آخر قطرة من دمه...

لماذا لم تتشكل الحكومة بعد خمسة أشهر على التكليف؟ لماذا تتفاقم أزماتنا؟ لماذا رخصت حياتنا وأرواحنا إلى هذا الحد؟ لما أهينت وتهان كرامتنا كل يوم... ببساطة لأن مصلحة بعض الساسة الشخصية وحصة الأسد أهم بكثير من وطن لا قيمة له..

الوطن رايح وهم باقون... والأتباع يصفّقون وأخصامهم في السياسة يشتمون!

https://elaph.com/Web/opinion/2021/03/1321474.html

Friday, March 5, 2021

طرابلس جائعة... لا تجلدوها

 

"منازل عشوائية متلاصقة، ألوان وألوان تغطيها صور كبيرة للسياسيين، تكاد تخنقها"... هكذا رأيت طرابلس أول مرة زرتها، وكل السنين التي مرّت لم تستطع أن تمحي هذه الصورة المطبوعة في مخيلتي.
زرت طرابلس كثيراً بحكم التغطيات الصحافية، زرت الكثير من أحيائها ومرافقها، زرت البلدية التي احترقت، ووقتها استوقفتني ضخامتها وسلطة رئيسها.

زرت الميناء، نهر أبو علي، مكب النفايات، وكانت كلها تُخبر عن مآسي هذه المدينة وأهلها، ولكنها لم تختصرها كلها، ففي طرابلس هناك أوجاع أقسى... في طرابلس هناك عائلات تعيش بين المقابر، حرفياً.

لا أزال أذكر الرهبة في عيون رجل خمسيني وهو يخبرني عن الحياة بين المقابر، كان يتلفت يميناً ويساراً خوفاً من أن يأتي الرجل الذي استأجر منه تلك البقعة ليعيش هو وعائلته... نعم كان يدفع بدلاً مقابل العيش بين المقابر!
عندما يحضر اسم طرابلس، تحضر اشتباكات باب التبانة وجبل محسن، ويحضر الارهاب... ولكن ماذا لو كان ذلك كله نتيجة لما تقاسيه المدينة وأهلها من عوز، فالعوز هو أكثر بيئة حاضنة للخروج عن القانون.

طرابلس التي رأيتها هي المدينة الفقيرة التي تبحث عن فرصة وسط تناهش السياسة... المدينة التي نسيها أغنياؤها ولا يتذكرونها إلا في الانتخابات، ووقتها تنتشر صورهم ومعها الفتات من المال الانتخابي.

روح طرابلس التي عرفتها تشبه روح الرجل المسّن الذي يصنع الفخار على طريقها البحرية؛ أخذت السنوات من ذاكرتي اسمه، ولكني لا أزال أذكر وجهه البشوش وطيبته وشغفه بهذه الحرفة القديمة.

آخر مرة زرت طرابلس كانت ربيع 2014، وصادفت مع أول يوم لوقف اطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني بعد أحداث دامية. كنا نصوّر وثائقياً لمحطة أجنبية، ويومها كان مقصدنا مكتبة قديمة في أحد الأحياء. وصلنا إلى الموقع المطلوب، رحت أبحث عن موقف لركن السيارة، وبعكس بيروت بسرعة وجدت موقفا، ولكنه كان في مكان مظلم تحت الأرض... لأول وهلة رحت أفكّر بكل الأخبار السيئة التي كانت تبثها المحطات التلفزيونية عن طرابلس، وأذكر وقتها كان برفقتي فريق عمل غير لبناني، صرت أقول في داخلي لما أعرّض نفسي وغرباء لهكذا خطر... دامت هذه الأفكار لبضعة دقائق استلزمها ركن السيارة في الموقف المظلم والخروج إلى الضوء حيث لاقتني وجوه بشوشة سألتها عن موقع المكتبة ودلتني، وهكذا صرنا نتنقل بين الأحياء حتى وصلنا.

هذه طرابلس التي التقيتها وجهاً لوجه، ولم تشبه طرابلس الدموية التي سمعت عنها في الأخبار والإعلام.. طرابلس اليوم استنفذت كل

قواها على الصمود وما عادت تحتمل.. من حق أهلها أن يثوروا على من اغتصبوا حقهم بالعيش الكريم لحسابات سياسية، من حقهم أن يغضبوا على من يستغلونهم... من حقهم أن يرفعوا الصوت عالياً ويقولوا الأشياء كما هي كما فعل أحد الشباب الغاضبين والذي عدّد جرائم السياسيين بحق أهل عاصمة الشمال من التجويع إلى الحرمان من التعليم وصولاً إلى الاستغلال. قال: "عمتعطونا سلاح وعمنقلكم ما بدنا نحارب"... بدل السلاح أما كان الأجدى أن يُعطى شباب طرابلس فرصة للعيش؟

لطالما كانت طرابلس ساحة للصراعات السياسية، ولا نعرف إن كان غضب شباب طرابلس أو تورط مندسين أحرق مرفقاً عاماً فيها، في ظل دولة غائبة عن مسؤولياتها، 

ولكن ما هو واضح أن المدينة جائعة... فلا تجلدوها!

https://elaph.com/Web/opinion/2021/01/1318347.html

Saturday, January 30, 2021

العائلة وكورونا... انهيار حصن الأمان


 "وضعت يدي على جبهة ياسمينا، شعرت بسخونتها، قست حرارتها واذا بها مرتفعة، اتصلت بطبيبها فقال لي بأن أعطيها الدواء الخافض للحرارة.. كان السعال بدأ خفيفاً عندي. في صباح اليوم التالي استيقظت وأنا أشعر بارتفاع الحرارة في جسدي وأصبح السعال أقوى. أخذت موعداً لإجراء فحص الـ PCR، يومها أصبح كل جسدي يؤلمني وفي اليوم التالي أبلغوني بأن نتيجتي إيجابية... تسارعت الأحداث، في اليوم التالي بدأت العوارض عند زوجي، دقات قلب سريعة استدعت مراجعة الطبيب... كان أهلي يشعرون بعوارض برد، أجروا فحص الـ PCR وأيضاً كانت نتيجتهم ايجابية... كلنا أُصبنا بالفيروس وياسمينا التي لم تكمل عامها الثاني ظلت حرارتها ترتفع ليومين أو ثلاث"... هكذا وصفت لي صديقتي كيف أصيبت هي وعائلتها بفيروس كورونا رغم حرصها الشديد على عدم الاختلاط اجتماعياً والالتزام بارتداء الكمامة والتعقيم.

صديقتي هي واحدة من الكثيرين الذين قرروا أن يأخذوا كل أساليب الوقاية من كورونا، لدرجة أن تقتصر حياتهم الاجتماعية على عائلتهم الصغيرة وحسب، ولكن حتى العائلة التي تعتبر الملجأ والأمان اخترق هذا الفيروس الصغير حصنها ومعه خسرت امتياز أمانها!

كان المرض الخبيث بالنسبة للناس هو مرض السرطان لأن الخلايا السرطانية تقتحم جسم الانسان بشراسة وعدائية حتى تفتك به، ولكن ألا يليق هذا التوصيف بفيروس كورونا؟

مرض السرطان، رغم خبثه، ولكنه لا يُعدي، ومريض السرطان، حتى آخر لحظة في حياته، يستطيع أن ينعم بدفء عائلته وأحبابه. أما فيروس كورونا فيتسلل بخبث من شخص إلى آخر وأقرب الناس هم الأخطر بنقل العدوى.

مع كورونا حتى الأم باتت تخشى بأن تحضن أولادها كما اعتادت لأنها تخاف عليهم، قد تكون مصابة والفيروس لا يفهم بعاطفة الأمومة.

مع كورونا، الأولاد يخافون على أبويهم أيضاً، يخافون عليهم من أن يزورهم أحد قد يكون مصاباً ويخافون أن يصابوا هم وينقلوا العدوى إلى أهلهم... وهكذا مع كورونا باتت العاطفة مغلفة بحذر التعبير.

مع كورونا بات الشعار: "تعامل مع الآخرين كأنهم مصابون وكأنك مصاب"، مما أفقد العلاقات الانسانية والاجتماعية الكثير من روحيتها.

مع كورونا يموت الشخص وحده مع الآلات في غرفة مستشفى معزولة، والآلات أصنام صماء بكماء لا تجيد العواطف في النهايات؛ لا تستطيع أن تسمع كلمات المريض الأخيرة ولا أن تنقل له كلمات أحبابه وضماتهم الوداعية.

نعم عندما يموت المرء لن يهمه كيف تكون مراسيم العزاء أو الدفن، ولكن أهله ومن يحبونه لن ينسوا أن كورونا منعتهم حتى من أن يودعونه الوداع الأخير.

مع كل رحلة العذاب الانسانية هذه مع كورونا، هناك من يتاجرون بهذا الفيروس، يقامرون بأرواح الناس من أجل المال... وهذا الوباء بالنسبة لهم تجارة مربحة!

كورونا فيروس خبيث اقتحم عالمنا وقلبه راساً على عقب، وقد يكون الرعب منه أكبر من حجمه، اذ أن أغلب من يصابون به يعانون لفترة من الوقت ومن ثم يتعافون، ولكن كم من الوقت سنحتاج لنتعافى من تبعات هذا الفيروس النفسية والانسانية؟

https://elaph.com/Web/opinion/2021/01/1315992.html