Wednesday, November 30, 2011

الربيع العربي تحت مجهّر الشباب: هنا سأحقق أحلامي



Print Article
من تونس إلى سوريا... ثورات يافعة ومن المبكر تقييمها 
الربيع العربي تحت مجهّر الشباب: هنا سأحقق أحلامي
نسرين عجبGMT 14:00:00 2011 الأربعاء 30 نوفمبر
متظاهرون يلوحون بأعلام دول شملها الربيع العربي

 من تونس الى سوريا، تعمّ حالة من الغليان الشارع العربيّ الذي إن لم ينجح بـ"إسقاط النظام" في بعض الدول إلا أنّه تمكّن من كسر جدار الصمت. أمّا الشباب العربيّ، فتقييمه للثورات متباين بين الإيجابي والذي يرى أنّ الثورة كسرت الرتابة في الحياة السياسيّة، والمنطقي الذي يعتبر من المبكر تقييمها لأنّها لاتزال في مرحلة الطفولة... "فالأمر ليس في استبدال أشخاص وإنما في تغيير وتطوير أنظمة الحكم".



بيروت: ينظر اليك ومن ثم ينظر حوله، ترى الحرص في مقلتيه رغم تحدثه بصوت منخفض، وبعد دردشة بسيطة يثير حفيظته تنقّل البعض في الرواق فيطلب اليك الانتقال من صالون الفندق الى غرفة مغلقة ويتأكد من اغلاق الباب جيداً حتى لا يسمعه أحد. تلاحظ تفكيره المطوّل بكل كلمة قبل أن ينطق بها، خصوصاً عندما تسأله عن تفاصيل الوضع في سوريا، فيبدو واضحاً للعيان أن الخوف من النظام السوري يلاحق رائد (اسم مستعار لمحلّل سوري يعتبر نفسه محايداً) الى لبنان. ويؤكد ذلك بالقول: "المواطن السوري لايزال يشعر أنه غير قادر على التحدث عن النظام واذا فعل فالثمن كبير وممكن أن يكون حياته"، فالنظام الذي أرهب السوريين واللبنانيين لعقود لم يسقط بعد كما سقطت أنظمة أخرى كأوراق الخريف في انتفاضات شعبية قررت أن تقول للاستبداد كفى.
قالت كفى بروح ثورة بل ثورات لم تكن وليدة الصدفة بل كانت نتيجة تراكمات تخبىء نفسها كالجمر تحت الرماد الى أن جاء محمد بو عزيزي، البائع التونسي المتجول ليشعل شرارتها الأولى... فانكسر جدار الصمت وكرّت السبحة، والشرارة تحوّلت الى كوة من النار صعبة الاحكام انتشرت كالنار في الهشيم بين الدول العربية التي عافها فساد أنظمتها وتسلطها... فكان الربيع العربي.
من تونس الى سوريا، وخلال فترة لا تزيد عن سنة، عمّت حالة غليان الشارع الذي رفع بأعلى صوته "الشعب يريد اسقاط النظام"... ونجح في بعض الدول فسقط طغاة أبشع سقوط، فلم تكن ليبيا مثلاً تحلم أن تطوى صفحة العقيد معمّر القذافي لولا ثورة بهذا الحجم، والحال مشابه في باقي الدول. أما في لبنان، فالقصة كانت مختلفة، فأبناؤه اعتادوا النزول الى الشارع وان كانت الساحة قسّمتهم أكثر مما جمعتهم، فقصة لبنان مع التغيير أعمق من الاطاحة بطاغية، فالطاغية ليس شخصاً بل هو نظام طائفي متجذر فكانت مظاهرات "الشعب يريد اسقاط النظام الطائفي".
علي الطالب (كاتب وباحث سعودي) ثورات تحت المجهر
كيف يرى الشباب العربي هذه الثورات وما هو تقييمه لها؟ 
يعتبر علي الطالب (كاتب وباحث سعودي) أنه ليس مفاجئاً أن تأتي الثورات العربية كنتيجة طبيعة لإرهاصات تاريخية متراكمة، بيد أن التوقيت ربما يكون فيه شيء من المفاجأة، إضافة لتوالي الثورات وتوالي سقوط الأنظمة كأحجار لعبة الـ"دومينو"، مما يؤشر ليس إلى هشاشة الأنظمة العربية فحسب، بل الى أنها لم تكن تمتلك الثقة في قدرتها على إدارة الأزمة بصورة أفضل. وهذه الثورات ساهمت بشكل أو بآخر في كسر حالة الرتابة السياسية الطويلة الأمد وخلقت تماوجا وحالة من الحياة التفاعلية الاجتماعية بين كافة المجتمعات في مختلف البلدان.
أما عن تقييمه للثورات فيرى علي أنه من المبكر الحكم على نتائجها اذ أنها لم تأخذ دورتها الطبيعة والكاملة. ويشرح أن ما حصل لا يعني بالضرورة أن ربيع الثورات العربية حقق ما يمكن أن تحقّقه الثورات في صورتها المثالية، فقد يمتعض البعض منها، ليس كرهاً، بل لما تحدثه من اختلال للتوازن على مختلف مفاصل الحياة؛ فيكون المواطن هو المتضرر الأول والأخير، خصوصاً إذا ما دخلت الثورة في حالة من التحدي بين المحكومين والحاكم، فيعمد هذا الأخير الى العمل بكل ما أوتي من حيل لأجل إطالة فترة بقاءه في السلطة، بالتالي ينعكس ذلك سلبا على حياة الناس باستهدافهم في معيشتهم واستقرارهم، مما يخلق لديهم حالة من الانطفاء وانسداد الأفق، فيترك فيهم شيئا من التردد والحيرة؛ إما الذهاب إلى المجهول مع الثورة، وإما القناعة بالواقع مع طبيعة النظام السياسي.
يوافقه الرأي أكرم خليل (صحافي وباحث اقتصادي مصري) الذي يعتبر أنه لا يمكن تقييم الثورة لأنها حتى في مصر أو ليبيا لاتزال في مرحلة الطفولة. ويعلّق: "الموضوع ليس استبدال أشخاص وإنما تغيير وتطوير نظام حكم بطريقة جذرية بما يحقق الديموقراطية وفي نفس الوقت يضمن حقوق الانسان". ويتوقف عند تقييم ثورة كل بلد معتبراً أن الثورة فى تونس كانت ملهمة لباقى الثورات، ولكن تجربتها فى النضوج بدأت بعد اكتمال مرحلة الانتخابات. أما الثورة في مصر فكانت رائدة فى نتائجها (في البداية) كما أنها كانت مفخرة لكل العالم اذ أنها أثمرت كشف حقائق كان يتم التعتيم عليها اعلامياً، ولكنها لاتزال فى مرحلة الحضانة بسبب ما يعوّقها. ويعتبر أنه يمكن القول ان الموجة الثانية من الثورة تفجرت بعد 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، ويخشى الكثيرون تعثر الثورة أو سقوط مزيد من الضحايا والمصابين في صفوف المصريين. أما الثورة فى ليبيا، وبالرغم من رحيل القدافي، إلا أنها تجربة جديدة على الشعب الليبي وينبغي أن يستوعب الدروس من الثورات السابقة. وفي اليمن وسوريا لاتزال الثورة مستمرة.
اختلاف في بيئة الثورات
انفجرت الثورات ولكن كيف كان انعكاسها على البلد الذي اشتعلت فيها وعلى المنطقة بشكل عام؟
 يجد علي أن هناك اختلافاً في طبيعة البيئة التي خرجت منها الثورة (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً)، فضلا عن موقع كل بلد من حيث الصورة الجيو استراتيجية، فكلما كان حدث الثورات على مقربة جغرافية من فلسطين كل ما زادت الأهمية. ويرى أن في بلد مثل تونس ونتيجة للتركيبة السكانية، وما يتمتع به شعبه من دينامية سياسية خالية من التعقيد، فضلا عن موقعه الجغرافي ومكانته الأقل في مضمار السياسية الاستراتيجية، كل ذلك ساهم في رفع مستوى الضبط، وسرعة التموضع والنزوع للاستقرار السهل، فتونس اليوم تجاوزت مرحلة اختلال التوازن على عكس بعض البلدان الأخرى مثل اليمن أو مصر أو سوريا. ومن وجهة نظره فالثورة في مصر ستأخذ مسافة زمنية أكثر من غيرها لكي تحقق أهدافها المنشودة، الا أنها ونظرا للثقل الاستراتيجي الذي تتمتع به لن يقتصر أثر الثورة فيها على الصعيد الداخلي بل سيتعداه الى الخارجي إن لم يكن عابرا للقارات. مازن أبو حمدان (من منظمي تحرك اسقاط النظام الطائفي في لبنان)
بالنسبة اليه، يعتبر أكرم أن الايجابي في مصر يتمثل في تنفّس الحرية وانقشاع الخوف بعد هذه الفترة الطويلة، وتعرّف كل مواطن على حقوقه. أما السلبي فيكمن في غياب القائد، ومع أن ذلك كان نقطة قوة في الثورة المصرية إلا أنه الآن يمثّل النقطة الأضعف فبعد تخلي الرئيس السابق عن الحكم ظهرت المطالب الفئوية، وبدأت بعض الجماعات الانتهازية بالبحث عن نصيبها في الوليمة (مصر) وذلك على حساب دم الضحايا والمصابين. 
 الطائفية أسقطت إسقاط النظام الطائفي
وسط الجلبة التي أحدثتها الثورات العربية في المنطقة، يبدو حراك اسقاط النظام الطائفي في لبنان هزيلاً، وأتت نتائجه لتكرّس تعسّر تحققه لاعتبارات أكبر من الشباب الذين آمنوا به. وفي هذا الصدد، يقول عاصم البعيني ان التحركات في لبنان وصلت ذروتها بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري سنة 2005، أما الآن فهناك نوع من اليأس لدى شريحة واسعة كما أن الهم المعيشي يطغى على ما عداه.
ويشرح مازن أبو حمدان الذي كان من منظّمي تحرّك اسقاط النظام الطائفي: "أنا كنت من أكبر الداعمين للدوافع التي سيّرت التحرك ولكني أعتقد أني فشلت في التخطيط استراتيجياً أو حتى في فهم الشروط السياسية والاجتماعية في لبنان. في المختصر أعتقد أنه كان عندي الكثير من الغضب والحماس والقليل من الحكمة والبصيرة والتخطيط". ويعتبر أن الغضب نجح في الدول الأخرى الى حد ما لأنه كان هناك انقساماً أفقياً بين السلطة والشعب، بين الظالم والمظلوم، وكان كل ما على المظلومين فعله التكتل وتقرير الانسحاب الجماعي من طاعة السلطة، فسقط الحكام المستبدون، ولكن هذه ليست القضية في لبنان حيث الانقسام عامودي وليس أفقي "لدينا طوائف عدة يترأس كل منها قائد وتنظر الى الطوائف الأخرى كعدو".
أمل مشرفيةويشير الى ما أظهرته دراسة حديثة أجرتها منظمة اليونسيف وتبيّن أن 11 في المئة فقط من الشباب اللبناني يعرّفون عن أنفسهم كعلمانيين أو لا طائفيين، معلّلاً عدم توسّع التحرك بأنه لم يتجاوز هؤلاء، "ففي لبنان هناك توازن هش من انعدام الثقة بين الطوائف، فأي تحركات مفاجئة بشعارات غامضة مثل "اسقاط النظام الطائفي" لا يستحسنها أولئك الذين يخافون الطوائف الأخرى"، لافتاً الى أنه كان يفترض استبداله بشعار آخر كالتغيير.
وتوافقه الرأي أمل مشرّفية التي تعتبر أن خصوصية لبنان هي الطائفية بحد ذاتها، وهي التي تحميه من قيام ثورة فعلية جامعة، وبالتالي اقتصر الأمر على تحركات تكاد تكون فردية ما لبثت أن توقفت لأنها لم تكن جدية ولم تكن جامعة ولم تكن واضحة المعالم، خصوصاً عندما بات من "داعميها" من هم رموز الطائفية في لبنان وذلك لأسباب سياسية بالطبع، وحسابات خاصة.
 أما ماهر أبو شقرا (أحد الناشطين في العمل المباشر وفي حراك اسقاط النظام في لبنان) فوجهة نظره مغايرة اذ يعتبر أن خصوصية لبنان هي في أن سلطته دكتاتورية ذكية تتناقض فيما بينها فتحوّل أنظار الشعب عن قضاياه المحقة كالقضايا المعيشية والاجتماعية باتجاه قضايا صراعات سياسية طائفية قد تبدو جذرية، لكنها في الواقع لا تخدم إلا السلطة المسيطرة في لبنان. أما عن تحرّك اسقاط النظام، فبالنسبة اليه كانت المسألة بالغة الوضوح ولم يكن أحد من الناشطين يتوهّم بأن النظام اللبناني سيسقط بين ليلة وضحاها، فالعمل التراكمي هو المطلوب، وما حراك إسقاط النظام إلا إطلاق الصرخة الأولى بوجه النظام اللبناني الذي لم يجر على لبنان إلا الحروب والويلات والفقر والتهجير وتدمير الأقليات الثقافية.ماهر ابو شقرا ويعتبر أنها كانت تجربة إيجابية من عدة نواح أبرزها أنها خلقت نقاشاً وخطاباً سياسياً بعيداً عن نقاش ثنائي السلطة في لبنان: 8 و14 آذار وبالتالي رفعت مستوى النقاش السياسي وأسست لمرحلة جديدة، كما أنها عرّفت العديد من الناشطين إلى بعضهم البعض وبالتالي عززت التواصل في خدمة قضية تستحق التضحية.
"سأبقى هنا... وهنا سأحقق أحلامي"
يراقب الشباب ويقيّمون ولكن كيف يرون غدهم وسط كل هذه التغيّرات التي عمّت الأقطار العربية؟يعتبر علي أنه بالرغم من هاجس القلق والخشية الذي يجتاح البعض، نتيجة لما يحدث من حالة اختلال للتوازن للتركيبة الاجتماعية وللدول، وما ينجم عنها من فوضى وانفلات، الأمر الذي يسبب تراجعًا ملحوظًا على مقومات الحياة الاقتصادية، بيد أنه لا سبيل إلا الى التفاؤل بحالة الحراك الشعبي التي أضافت للحياة حيوية بعد انكسار شيء من الرتابة السياسية القاتلة.
على نفس الخطى يمشي أكرم، فهو متفائل أيضاً في غد عربي مزهر، ويعتبر أن ذلك يتوقف على طول وقصر المرحلة الانتقالية، ومدى سيطرة المطالب الفئوية والجماعات التى تبحث عن نصيب أكبر فى الوليمة.
أما لبنانياً فالبعض متفائل والبعض متشائم، من جهته، يقول عاصم انه غير متفائل لا بل متشائم لأن الوطن ككيان إلى مزيد من التداعي ومزيد من الربط مع القضايا الإقليمية الساخنة. وتشاطره الرأي أمل التي ترى أن المستقبل محدود وغير واضح المعالم، وبالنسبة اليها التشائم سيد الموقف، والأسباب أكثر من أن تعد أو تحصى!
يخالفهما الرأي ماهر الذي يؤكد تفاؤله في ظل مسيرة طويلة وعمل تراكمي باتجاه خلق حالة قادرة على التغيير الجذري، معتبراً أن لا حل في لبنان إلا بنظام علماني ديمقراطي والا سيستمر الوضع الحالي... حرب كل 15 سنة. ويذهب مازن أبعد من ذلك فيقول: "سأبقى هنا، وأنا مقتنع أنني أستطيع تحقيق أهدافي هنا، لست متفائلاً ولا متشائماً، فالمتفائل هو مغفّل سعيد والمتشائم مغفّل حزين وأنا واقعي. أتفهّم لماذا الأمور على ما هي عليه وما يجب فعله للتغيير، أتفهّم حجم العقبات ولكني أرى أيضاً كبر الامكانات ولكن كل ما علينا فعله العمل بطريقة صحيحة".

إغلاق النافذة

Monday, November 7, 2011

"مش برمانة القلوب مليانة"


Print Article

"مش برمانة القلوب مليانة"

نسرين عجبGMT 6:37:00 2011 الإثنين 7 نوفمبر

"مش برمانة القلوب مليانة"... مثل شعبي لبناني يطرح نفسه واقعاً عندما تحصل مشاكل بين طرفين أو أكثر، وكثيراً ما لامسنا ونلامس هذا الواقع في لبنان، فمثلاً صوت دراجة نارية قد يؤدي الى اشتباك بالرصاص بين جيران في الحي أو المنطقة أو المدينة... وكلمة قد تشعل حرباً كلامية بين طرفين متناقضين عملياً..

وهكذا تصبح الأمور الصغيرة فتيلة لمشاكل قد لا تحمد عقباها وتكون النتيجة أبشع مما قد يكون يتصور الطرفين واذا عادا الى جذور المسألة لتوصلا انها لا تستحق ما أودت اليه، ولكن الثورة تكون نتيجة تراكمات عند الطرفين اجتمعت وتراكمت حتى أصبحت بركاناً مشتعلاً يطلق حممه المحرقة في وجه الآخر وعندها تشتعل "الحرب" مهما اقترب الواقع أو ابتعد عن مفهوم الحرب بمعناها الواسع... وعندما يهدأ البركان ربما يسأل كل منهما عن الأسباب الجوهرية لهذه الثورة... ربما يجد وربما لا يجد ولكن تكون الواقعة قد وقعت.

والرمانة والقلوب الملآنة ليست فقط بين أشخاص تجمعهم اللامودة، فقد تكون ايضاً بين صديقين أو حتى حبيبين تراكمت أموراً صغيرة بينهما وبدأت تكبر مع الوقت وتتراكم الى أن يأت سبب قد يكون تافهاً للغاية ليفجّر البركان... والبحر يتسع للكثير ولكن قطرة واحدة قد تجعله يفيض... تعصف العاصفة يقول كل منهما كل ما يقوى عليه قلبه المعشش بالغضب من الطرف الآخر الذي يعتبر أنه غض الطرف عنه كثيراً وسكت على أمور كثيرة حتى باتت الأمور لا تحتمل... فيفرّغ ما عنده، قد يكون مؤدباً ولكن الغضب لا يعرف ان يكون لطيفاً مهما انخفض صوته وانخفضت حدة نبرته، والغضب الهادىء يكون أحياناً أشد وقعاً من الغضب المتفجّر لأنه يختار الكلمات التي قد تكون أكثر تهذيباً ولكنها تجرح أكثر... وفي هذه المعركة يكون الصمت سيف ذو حدّين فمن جهة يجنّب الشخص ندامات على اشياء لا يفترض أن يقولها ولكن يسوقه الى ندامات على اشياء كان يجب أن يقولها... وبين الاثنين، وبين الغاضب والأقل غضباً لا بد أن تنتهي العاصفة مهما أخذت وقتاً ولكن في النهاية يبقى أثرها وهو ذلك الشيء الذي انكسر بين الطرفين... وكل ما كبرت القسوة كل ما اتسع الكسر وكل ما بدأت نهاية العلاقات بين الناس فالزجاج الذي يكسّر، مهما كان الكسر صغيراً، لا يمكن أن يرمّم أبداً.

كم زجاج يكسّر مع تقدمنا في الحياة والخبرات... وكم زجاج يتحوّل الى فتات يستحيل جمعه.. ومع كل كسر جديد تخّف الثقة ويقوى الحذر بين الناس فتغيب العفوية ويصبح كل شيء مقنّن ومضبوط والا... ويسألون لماذا يخسر الطفل براءته عندما يكبر رغم أنها أجمل ما فيه! يخسرها لأنها كثيابه الصغيرة التي لا تعود تتسع له عندما يكبّر.. يخسرها لأنها ببساطة حصراً به قبل أن يخوض غمار الحياة.

http://elaph.com/Web/opinion/2011/11/694295.html


Saturday, October 15, 2011

"هلأ لوين"... جرح ملتهب يضحكك ويبكيك بلحظة

"هلأ لوين"... جرح ملتهب يضحكك ويبكيك بلحظة
السبت 15 أكتوبر 2011

نسرين عجب
الساعة تقارب الثامنة الا ربع، تدخل صالة السينما من دون أن يكون في مخيلتك أي صورة واضحة حول عمّا يمكن أن تكون القصة.. قالوا ان الفيلم جميل ولكن لم ترد أن تحرق المراحل فلم تسأل حتى عن القصة ويقرّر ذهنك ألا يحلّلها. تحجز تذاكرك وتنتظر صديقتك حتى تصل، وبعفوية تجد نفسك تنظر حولك محاولاً أن تقدّر عدد الذين جاؤوا مثلك في هذه الليلة ليتابعوا الفيلم الذي يتحدث عنه الجميع، وتكتشف أن الوجوه معظمها في عمر المراهقة..
وفي هذه اللحظات تفكّر لبرهة عما يمكن أن يكون الفيلم، فعنوانه اللبناني بامتياز يفتح على احتمالات كثيرة ممكن أن تكون عبرت ضمن أفكار مخرجته الشابة ولكن لا يخطر في بالك أن تكون ذهبت بعيداً لتضرب على وتر حساس الى هذا الحد... كل ما في مخيلتك رجع صدى ايجابي جداً أثار فيك حشرية مشاهدته.. فإحدى صديقاتك شاهدته على مدى يومين متتاليين وتعليقها كان "خرجت وأنا أبكي"، أما صديقك فاختصر تقييمه بجملة واحدة "رائعة كيف تضحكك وفي نفس اللحظة تبكيك"..
لا تتخيل نفسك أن ينقلب مزاجك من الضحك الى البكاء في لحظة، ولكن نادين لبكي في فيلمها "هلأ لوين" مع شخصياتها التي أبدعت في تجسيد أدوارها بروعة لا متناهية تجعلك تتفاجىء بدموعك بعد نوبة ضحك من قلبك.. فهذا الفيلم يضع الأصبع على الجرح اللبناني فيرسم أمامك صورة اللبناني الذي أصبح يعيش انفصاماً بين الواقع الذي يريده والواقع الذي يعيشه بعد تراكم سنوات اليمة مرّت على هذا البلد. تبكي لأن هذا الواقع الذي تجسّده شخصيات تراها للمرة الأولى على الشاشة هو السكين الذي يطعنك كل يوم لأنك تعرف الى ماذا أوصل هذا البلد، وربما لأن هذه الشخصيات تعيش غصة هذا الواقع فأبدعت في اخراجه لك بصدق فأبكاك الرجل كما أبكتك المرأة، وان كانت هي بالعاطفة المجبولة فيها استطاعت أن تجعلك تغص مرات كثيرة وتبكي، فهي الأم والحبيبة التي تحمل هم الرجل الذي يقرّر أن يسير في موجة الغضب المجنون الذي سار ويسير فيه الشباب اللبناني..
هي التي قالت كفى ونجحت بسلطة عاطفتها أن تجبر هذا الرجل أن يسير على الطريق الذي يجب أن يسلكه وان لم تستطع أن تدير دفة الأمور الى النهاية فبقيت "وهلأ لوين".. فالقضية لم تنته مع انتهاء القصة بل البداية هناك. الفيلم وضع الاصبع على جرح غدا ملتهباً، بطريقة مميزة تجعل كل طرف معنّي في الصميم، وبأسلوب يبعث في داخل كل شخص حساً أنه مسؤول وغير قادر على رمي الكرة في مرمى الآخرين كما اعتاد اللبناني أن يفعل... فهل سيكون هذا الفيلم على أجندة السياسيين واللبنانيين ويسألون أنفسهم بعد أن يشاهدوه "وهلأ لوين"؟- See more at: http://www.elaph.com/Web/opinion/2011/10/689237.html#sthash.flU8LGhU.dpuf

Saturday, September 3, 2011

هل سيكون احساسك كإحساس الطفل؟



هل سيكون احساسك كإحساس الطفل؟

نسرين عجبGMT 6:34:00 2011 السبت 3 سبتمبر

"يجب أن يكون احساسك كإحساس الطفل الذي عمره سنة عندما تقذفه في السماء يضحك لأنه يعرف أنك ستلتقطه ولن تدعه يقع... هذا هو التصديق"... هكذا تقول الحكمة، وللوهلة الأولى تستسيغها وتقرر أن تعمل بها اذ تدغدغ لاوعيك التائق الى الثقة، ولكن يستوقفك المنطق ويطرح عليك جملة أسئلة تجعلك تعيد حساباتك وتفكر عملياً. هل سيكون احساسك كإحساس الطفل عندما تقذفه في السماء اذا كنت كلّما نظرت من حولك تجد أن ثلة من الشباب تغربوا أو حتى هاجروا لأن هذا البلد الصغير ضاق عليهم وضيّق عليهم الخناق، ومن بقي منهم يسيطر على معظمه اليأس؟

هل سيكون احساسك كإحساس الطفل عندما يكون طموحك أبعد من السحاب فيما تعيش في بلد لا يقدّم لك أدنى المعطيات لتحقّق نتفاً بسيطة من أحلامك؟ هل سيكون احساسك كإحساس الطفل عندما ترى عمالقة في بلدك يهانون بدل أن يكرّموا في نهاية حياتهم، في الوقت الذي تقدّس التفاهات والتافهون؟

هل سيكون احساسك كإحساس الطفل اذا كنت تقدّر في الخارج أكثر بأضعاف من وطنك، وتعامل بانسانية لا تراها فيه؟ هل سيكون احساسك كإحساس الطفل والجنين في بطن أمه عليه دين في بلدك، في الوقت الذي يشيخ أبناؤه ويموتون وهم يعملون والا قد لا يجدوا ما يأكلوه، هذا عدا عن أنهم يعانوا الأمرّين حتى في أدنى الخدمات كالكهرباء والمياة والانترنت؟

هل سيكون احساسك كإحساس الطفل في بلد لا ترى سياسييه الا على المنابر الاعلامية يكيلون الاتهامات لأخصامهم ولا يفعلون شيئاً حسناً في المقابل، والناس ينتخبوهم كل أربع سنوات ولم يتعلموا؟ هل سيكون احساسك كإحساس الطفل عندما تثق بآخرين بعد معاناة مع الثقة لتكتشف لاحقاً أنهم مثل غيرهم اذا لم يكونوا أسوأ..

ولكن ببساطة يحترفون الكذب؟ هل سيكون احساسك كإحساس الطفل اذا كنت مجبراً على درس كلمتك جيداً قبل أن تقولها لأنك ببساطة تعيش في بلد المنطق فيه ان لم تكن معنا أنت ضدنا؟ هل سيكون احساسك كإحساس الطفل اذا كنت كل يوم تسمع عبارة "ان لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" على لسان معظم من تلتقيهم فيما أنت تعمل على بناء سلامك الداخلي؟ هل سيكون احساسك كإحساس الطفل الذي تقذفه في السماء اذا كنت تعيش في بلد على كف عفريت وكل شيء فيه على كف عفريت؟

لا، حتى الطفل ما عاد قادراً على عفوية هذا الاحساس!

http://elaph.com/Web/opinion/2011/9/680355.html


Monday, August 8, 2011

حتى المشي في الطبيعة فيه تحقيق!


Print Article

حتى المشي في الطبيعة فيه تحقيق!

نسرين عجبGMT 4:59:00 2011 الأربعاء 3 أغسطس

قد تستغرب ولكن تعتاد أن تكون قرب مراكز عسكرية في جنوب لبنان أو في البقاع ويعترضك رجال انضباط يسألونك عن اسمك وربما هويتك... ومع أن المنطق يقول ان هذا الاجراء من حق الجيش اللبناني فقط، ولكن في لبنان أصبح أمراً واقعاً أن يعترضك رجال غير الجيش اللبناني ويتعاطون معك من منطق سلطة.

كل ذلك بات معروفاً وربما ربما مبرراً في مناطق حدودية مع العدو الاسرائيلي خصوصاً بعد موجة العملاء التي سادت لبنان مؤخراً، ولكن أن تكون في رحلة مشي في الطبيعية في جبال نيحا الشوفية ضمن مجموعة بينها أطفال وطلاب مدارس ويعترضك رجال انضباط من حزب الله ويمنعونك من متابعة المشي الى المقلب الآخر من الجبل قبل أن تزودهم بأسماء كل المجموعة، فهذا أمر مستغرب.. وأن يصّر الرجال نفسهم على أن يأخذوا اسم المرشد السياحي واسم أمه ورقم سجلّه فهذا أمر غير مقبول... علماً أن المسؤولين عن الرحلة أبلغوا مخابرات الجيش اللبناني بالمشروع. والمضحك المبكي أن هذا المرشد السياحي ابن نيحا... المنطقة التي تمشي فيها المجموعة... مضحك مبكي أن يأتي غريب الى منطقتك ينشيء مركزاً عسكرياً فيها ويحقق معك اذا قررت أن تكتشف الطبيعة بحجة حمايتك!

ما هو الخطر الذي تشكلّه مجموعة قررت أن تقصد الطبيعة وتموّه عن نفسها في ظل المماحكات السياسية التي لا تنتهي في هذا البلد؟ أم أن منطق التحقيق والتقصّي أصبح سائداً على كل شيء في لبنان؟؟

نعم كانوا لطفاء، ولكنهم كانوا مسلحيّن في منطقة عقلك المتواضع يستغرب أصلاً وجودهم فيها، فنيحا ليست على الحدود مع العدو الاسرائيلي. قالوا ان عندهم أشغال في المنطقة! ويسأل عقلك المتواضع مجدداً ما هي الأشغال التي يقوم فيها عناصر مسلحة من حزب الله في جبال نيحا الشوفية؟ واذا كان هناك داعياً لمركز عسكري اليس جديراً أن يكون للجيش اللبناني؟

http://www.elaph.com/Web/opinion/2011/8/673233.html





Print Article
الآن فهمت كيف تعيش أزمة لبنان وأنت بعيد

نسرين عجبGMT 15:36:00 2011 الإثنين 16 مايو

كنت أظن أن الذين اختاروا أن يعيشوا خارج لبنان، اختاروا أن يأخذوا مسافة من هذا البلد الصغير بمساحته الكبير بمشاكله.. ويبتعدوا عن هموم السياسية التي باتت تثير اشمئزازنا نحن اللبنانيين، وتجعلنا نفكّر مئة مرة في اليوم بالهجرة ربما الى جزر الهاواي التي قد تكون أبعد نقطة جغرافية عنهم وعن المشاكل التي أغرقوا البلد فيها.

وفي العدوان الاسرائيلي على لبنان تموز الـ 2006 كانت المفارقة بالنسبة لي أن بعض أقاربي في المهجر يتابعون الأخبار لحظة بلحظة ربما أكثر مني أنا في لبنان... استغربت ذلك اذ كنت أعتبر أني على خط التماس وتحت الخطر وبالتالي تهمني الأخبار أكثر منهم.. الى أني صباح الأحد 15 أيار 2011 أختبرت بنفسي كيف يكون الشعور عندما تحصل اشتباكات في لبنان وأنا بعيدة ساعات سفر طويلة عنه..

كنت أتحدث مع صديقتي عبر الـ WhatsApp (خدمة الرسائل عبر الهاتف) وقالت لي: "علقانة في لبنان".. لأول وهلة ظننت أنه الحال الذي عودنا عليه سياسينا في الخلافات فيما بينهم.. فلم أكترث كثيراً.. أصلاً أنا قررت أن أفصل نفسي عن أخبار السياسة ولا أسمع أي منها خلال غيابي.. فأنا أحتاج الى نقاهة منها ومنهم (السياسيين)، ولكن ومن باب الحشرية سألتها "شو صاير" وكان الجواب "على الحدود.. الفلسطينين والسوريين مع الاسرائيليين".. كانت هذه الكلمات البسيطة كافية لتدفعني دفعاً الى المواقع الاخبارية للاطلاع على مجريات الأمور.. وما وجدته كان جملة تقول: "ستة قتلى وأكثر من سبعين جريحاً في اطلاق نار اسرائيلي على الحدود اللبنانية".. نزلت هذه المعلومات كالصاعقة عليّ، فأنا عشت بعضاً من تجارب ما يعرف باطلاق النار الاسرائيلي على لبنان، وذاكرتي لم تنس بعد كيف كان ينهال القصف الاسرائيلي على لبنان سنة 2006 وكيف دمر حقدهم المعابر والجسور.. وووو.. اذا مجرد وجود "اسرائيل" في الموضوع كان كافياً في اثارة مشاعر أخرى غير اللامبالاة في داخلي... تحركت كل مشاعري صوب لبنان، وكان كل همي في تلك اللحظات أن أعرف ما يحصل.. مضيت معظم النهار (الذي كان أصبح بعد الظهر في لبنان) أحاول أن أتسقط الأخبار من أصدقائي هناك وأطلع على ما يحصل في الوقت الذي لم تفدني الأخبار على الانترنت بالشيء الكثير، وكانت الأخبار العاجلة تقلقني أكثر وأكثر.. الى أن علمت بحقيقة ما يجري واطمأنيت الى أن هذا الرصاص، مع أنه حصد عدداً من الشهداء والجرحى، ولكنه موقتاً ولم يمتد الى عناقيد غضب كالتي أرتني اياها اسرائيل سابقاً... وشعرت بنوع من النشوة لاحياء الذكرى الـ 63 لنكبة فلسطين بطريقة استفزت اسرائيل.. وكأن أمل لاح في سماء أفكاري أن الانتفاضة الكبرى آتية لا محالة.. وربما سنكون يوماً على موعد مع القضاء على هذا الكابوس المزعج الذي تعرّفه المصطلحات الدولية بـ "اسرائيل".

هدأت.. ولكن كان لهذه الساعات أثراً داخلياً استوقفني.. نعم البعيد يقلق أكثر لأنه بعيد ولا يعرف ماذا يجري هناك وأيقنت أننا نحن اللبنانيين تربطنا ببلد الأرز رابطة دم قوية، تجعل اسمه ينبض في عروقنا، خصوصاً عندما نغيب عنه.. وعندما نتمنى أن نبتعد عنه فذلك لنرتاح من هذا الوضع السيء الذي أغرقنا فيه من ولوا أنفسهم علينا.. أو قد نكون نحن من ولاهم علينا!!!


Monday, June 20, 2011

قصة حياتها باكورة أعمالها الإخراجية بصوتها وصورتها



Print Article
تغريد العزة: المتسلط عليّ وظالمي في مجتمعي... رجل!
نسرين عجبGMT 5:00:00 2011 الإثنين 20 يونيو
تغريد العزّة
"رجاني أن أعود وأنظر إلى الماضي، لكنني مضيت إلى الحاضر، فأنا لا اعرف الالتفات أبدًا"... كلمات كتبتها تغريد العزّة تعبيراً عن تجربة قاسية عاشتها مع رجل تسلّط عليها وظلمها. قرّرت العزة ألا تسكت بعد الآن. أرادت أن تبوح بما عانته، فكان فيلمها نصيحة باكورة أعمالها.


"كنت أكره المشي على أرصفة الشوارع لأنها مقيدة بالحديد هنا وهناك... وتراني أحمل عدستي وأمشي في وسط زحام السيارات لأنطلق حرة، هناك أترقب الحقيقة، وأحمل قصص الناس هناك... لتصل محطتي ويضيق الخناق أكثر... أصل إلى ذاك الجدار - جدار الفصل العنصري - لأحكي فقط وأحمل قضايا ما قبل الجدار".
أي شوارع وأي عدسة وأي جدار وأي قضية؟ أسئلة تتوارد الى الذهن عند قراءة هذه القطعة الأدبية. ولكن أن تقرأها كـ status على فايسبوك عند تغريد العزة، المخرجة الفلسطينية الشابة التي يصح وصفها بالمرأة الحديدية، عندها تتضح الصورة، فالعبارات ما هي إلا استكمال لقصّة حياة بدأت تغريد تتحدث عنها منذ قرارها في أن تبوح بما عانته، وأن تضع النقاط على حروف حياتها في فيلمها "نصيحة".
تغريد التي كتبت أيضاً: "ضيق الخناق أكثر لأرى نفسي وراء جدار من خشب... مكبلة الأيدي. وفي ساعات الليل الباردة كنت أغط بنوم عميق... لولا ذاك الحلم البعيد أيقظني، وأراد أن يعيد كل ما مضى... وهل الدقائق الماضية تعود بحلتها؟ أبكاني معه... رجاني أن أعود وأنظر الى الماضي، لكنني مضيت الى الحاضر، فأنا لا اعرف الالتفات أبدًا"...تقول لطليقها: "فهل أبكاك فراقي ام أبكاك الحنين الى الماضي؟ وماذا بعد لطالما انساكم ولطالما ما تتذكروني".
أثناء قيامها بمنتجة فيلمها ويرادف الصورة صوت أخيها يقول "العمل حرام"
انتهى الفيلم بهذه الصورة مع صوت الشيخ يردد "الرجال قوامون على النساء"
جرأة تلك الفتاة الفلسطينية تعدت حدود فايسبوك لتقول قصة حياتها في فيلم قصير عبر حدود حيفا ورام الله الى بيروت ودمشق وأبوظبي فإلى جامعة أوكسفورد ومهرجان الأفلام في فرنسا، حيث وصف بالجريء جداً، وبأنه تخطى التوقعات بأن تصل السينما الى هذه الدرجة في طرح الموضوعات.
الفيلم عبارة عن تلفزيون واقع تناولت فيه تغريد قصة زواجها في سن الـ 19 وطلاقها مع ولدين وما استتبع ذلك من تبعات قانونية وأسرية ومجتمعية، فقط لأنها امرأة، القانون والمجتمع ضدها ولا شيء يحميها.
شكّل الفيلم صدمة عند زملائها المشاركين في مؤتمر "دور المرأة في الحوار الاسلامي المسيحي" في صيدنايا في سوريا. كما أذهل أصدقاءها في ورشة عمل "صحافة السلام" في بيروت الذين عرفوها فتاة محجبة، لتأتي إليهم بعد ستة أشهر خالعة الحجاب، وفي جعبتها باكورة أعمالها الإخراجية، قصة حياتها بصوتها وصورتها. بكى منهم من بكى، وكتب منهم من كتب، وكان الانطباع الأقوى الاطراء على جرأتها والتنديد بتصرف المجتمع حيالها.
سئلت تغريد عن دوافعها في هذا الفيلم، وان كانت تقتصر فقط على توجيه رسالة. وبثقة الثائر، قالت ان الكاميرا هي العين على الواقع، لافتة الى أن اول دافع لها كان الشعور بالقهر، وأرادت أن تكون قدوة لغيرها، وتعلّم النساء كيف يصوّرن حياتهنّ اليومية بوسائل بسيطة تشجعّهن، وان كانت قد لا تعرض.
تروي تغريد في الفيلم كيف أحبت ابنة السادسة عشرة رجلاً يكبرها بسبع سنوات، وتحدّت أهلها لتتزوجه، لتصدم بعد 8 سنوات من زواجها، حيث كانت حاملاً بالشهر الرابع، بزواجه بأخرى. وتشرح معاناة الأم والزوجة، التي شعرت أنها طعنت، ولاحقاً المخرجة المطلقة في مجتمع ذكوري، كل شيء فيه يدين المرأة، ويقف الى جانب الرجل.
علّقت نسيمة السادة بأن وضع المرأة هذا هو نفسه في كل المجتمعات العربية، خصوصاً المجتمع السعودي، حيث تعاني المرأة المطلقة من القضاء والروتين القضائي أكثر من سوء الاحكام الفقهية.
وعن سؤال بترا أبي نادر عما اذا كان الفيلم مرّ على الرقابة، أجابت تغريد بالايجاب، لافتة الى أن هناك رقابة مجتمعية لم تسمح بوصول أكثر من 70% مما أرادت أن توصله.
واذ ختمت تغريد فيلمها بصوت أحد المشايخ يردّد الآية: "الرجال قوّامون على النساء"، شرحت د. رفيدة الحبش المتعمقة بالفقه الاسلامي، أن ذلك يعني أنهم قائمون على مصلحتهم وأن يخدموهم، لا كما تفسّر مجتمعياً.
ولأن الفيلم يعرض تعصب شقيق تغريد، كان هناك الكثير من الأسئلة حول كيف تعيش في مجتمعها خصوصاً أنها كانت محجبة، وخلعت الحجاب. وردت تغريد بأن اللقطة الاخيرة من الفيلم تعبّر عن الفكر السائد في المجتمع الفلسطيني، مشيرة الى أنها لم تقصد الدين فقط، بل القانون أيضاً، فالذي يمنعها من العمل رجل، والذي طلقها وسيحرمها من أولادها رجل، والمتعصّب عليها رجل. والفكرة التي أرادت أن توصلها من قفلة الفيلم أنها تسمع كل ذلك، ولا تكترث له. أما الحجاب فخلعته لأنها أصبحت مؤمنة أن الدين هو علاقة بينها وبين ربها.


Saturday, June 4, 2011

رحلة صينية من نيويورك الى فيرجينيا


Print Article

رحلة صينية من نيويورك الى فيرجينيا

نسرين عجبGMT 6:49:00 2011 السبت 4 يونيو

CHINA TOWN، هذا هو العنوان وعندما تقصده يخيل اليك أنك في الصين حقاً، تحاول أن تقرأ ما كتب على آرمات المحلات ولكن عبثاً فاللغة الصينية تتحدث، كل شيء يشعرك أنك في الصين، طراز الأبنية، الوجوه... كل شيء.

تدخل الى محطة الباص لتحجز التذاكر وهناك يراودك الشعور مجدداً، وتسأل نفسك هل أنا في الصين، فكل الوجوه هناك تحمل الملامح الآسيوية، تبذل أذناك الجهد محاولة أن تفهم شيئاً ولكن ايضاً عبثاً، وفي تلك اللحظة يطرأ على بالك ذلك المثل اللبناني "مثل العميحكي صيني" ولوهلة يخيل اليك أن قائله كان في تلك المحطة وخبر شعورك في تلك اللحظة بأنك لا تفهم شيئاً مما يدور حولك. تحاول أن تطلب منه التذاكر، بالكاد تفهم على انكليزيته وكأن هذه المحطة للصينيين فقط ومن لا يتكلم الصينية يجب أن يكون حاضراً لاحتمال أن لا يفهم الكثير.

بطاقتان الى هارسنبورغ في ولاية فيرجينيا، يرفع ورقة مطبوعة كتب عليها عدة عناوين من بينها العنوان الذي تقصده.. نعم هذا هو.. تشعر ببعض الارتياح، وتقول في سرك المهم أن نصل الى هناك.. وعندما يعطيك البطاقة يكون الريب لا يزال يراودك فالرحلة من نيويورك الى هاريسنبورغ تستغرق ست ساعات ونصف، والانطلاق الساعة السابعة مساء وبالتالي الوصول الواحدة والنصف ليلاً وطبعاً لن تستسيغ أن تصل الى العنوان الخطأ في هذه الساعة المتأخرة. وتبدأ الاحتمالات ترد الى ذهنك ماذا لو كان هناك لغطاً والشكوك تدفعك الى التمحيص في تفاصيل البطاقة.. وهنا تكتشف أن العنوان الذي كتب على البطاقة غير العنوان الذي تقصد، تعيد الكرة وتسأل البائع مرة جديدة وتتأكد من أن هذا الباص سيصل الى عنوانك... ومجدداً يؤكد لك ذلك مع أنه ليس هناك ما يطمئن... تقرر أن تكتشف بنفسك، وتبدأ بتحليل التفاصيل ومقارنتها مع تلك البطاقة المعتمدة بالعناوين.. ويلمع الرقم 271... الرقم المتطابق بين البطاقة التي قطعتها وبطاقة تفاصيل العناوين.. تصل الى هذا الاكتشاف أنت والساعة السابعة معاً.. تحضّر نفسك للانطلاق ولكن يبدو أن الباص لم يأت بعد... ولكن الرقم 271 محفوراً في ذهنك فتبتسم في سرك وتقول ليتأخر المهم أننا في المكان الصحيح... دقائق وتسمع هدير الباص وهنا تنفرج أساريرك تصعد فوراً ترتب أغراضك وتجلس على أحد المقاعد.. وتظن أنك بالصعود الى الباص تودّع CHINA TOWN بكل ما لـ CHINA من معنى.. ولكن الحق أن هذا الافتراض خاطىء جداً، فالرحلة الصينية تبدأ في الباص..

تحاول أن تغمض عينيك بعد يومين متعبين في المدينة المجنونة ولكن تكتشف أن محاولاتك عبثية وجداً، فهناك صيني يجلس على المقعد الأمامي خلف السائق الصيني ويتحدثان بالصينية... نعم تعرف أن الصين غزت الأسواق اللبنانية والأسواق الأميركية حتى ولكنك لم تأخذ في الحسبان أن القضايا الصينية ستغزو رحلتك من نيويورك الى هاريسنبورغ.. ولا تستطيع مقاومة الضحك عندما تسأل صديقتك السورية "بما يتحدثون يا ترى.. هل يتباحثون بحل قضية الشرق الأوسط"... وتقول في سرك "بعد هذا الغزو الصيني للعالم... من يدري قد يكون حل قضية الشرق الأوسط على أيديهم".

يصل الباص الى أول محطة ينزل بعض الركاب، وتلاحظ أنهم صينيون وبانتظارهم صينيون أيضاً وثاني محطة وثالث محطة.. صينيون في صينيون ترى كل الأعمار... حتى الأطفال في المحطة ينتظرون.. وتشعر هذا النوع من الألفة بين السائق والركاب يودعهم وكأن الكل يعرف الكل وأنت الغريب الوحيد في هذا الباص... وتبتسم بينك وبين نفسك لذكاء هؤلاء، حتى في أميركا خلقوا تجارة تسهّل حياتهم وتجمعهم معاً.. أما اللبنانيون، وما أصغر لبنان مقارنة بالصين، فأبناؤه لم يصلوا الى تشكيل حكومة بعد... يختلفون على أصغر التفاصيل وأسخفها، في الوقت الذي يبدع اللبنانيون خارج بلادهم، ومثلاً هذا الباص الصيني من نيويورك الى فيرجينيا اكتشف وجوده أحد اللبنانيين الذي قدم مؤخراً الى البلاد، علماً أن الأميركيين الموجودين في الموقع لا يعرفون بوجوده وفوجئوا عندما أرشدهم اللبنانيون اليه... تضحك وتبكي في داخلك... وما بين هذا وذاك يعلمك السائق أنك وصلت الى هاريسنبورغ تنتظر بعض الوقت قبل أن يصل سائق التاكسي ولكن هذه المرة أميركي... تصعد الى السيارة يبتسم لك ويسألك بالانكليزية عن المكان المقصود... عندها تشعر أنك تستعيد عافيتك الاستيعابية على التفاهم والحوار بلغة تفهمها... تضع رأسك على المقعد في اشارة الى الشعور بالأمان أنك وصلت وفي داخلك احساس أنك أتيت للتو من الصين الى أميركا.

http://www.elaph.com/Web/opinion/2011/6/659718.html