Sunday, October 27, 2013

تجسّسهم وغباؤنا!


تجسّسهم وغباؤنا!
نسرين عجبGMT 6:01 2013 الأحد 27 أكتوبر
منذ بضعة أيام سأل صديق سعودي على صفحته على الفايسبوك: "بما أن Iphone 5S يعتمد على بصمة الأصبع، ما هي ضمانة الشركة المصنّعة بأن لا تتسرب بصمات الملايين من البشر لأيد استخباراتية دولية"، وهو سؤال تقني جدير بالطرح.

رغم أني من أشد المحبين للتكنولوجيا والمواكبين لها الى حد كبير، ولكن لطالما كانت بعض التطبيقات، خصوصاً على الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى البريد الالكتروني تثير تساؤلي. وبما أننا نحن الصحافيين متهمون، وربما هي تهمة محقة، أننا كالمحققين نشك في كل شيء حولنا من مبدأ "المتهم مدان حتى تثبت براءته"، كنت دائماً أشكك في بعض التقديمات التكنولوجية التي تعرضها هذه الهواتف والمواقع.

من الأشياء البديهية ربما والتي تستحق التوقف عندها ويمكن لأي شخص أن يلاحظها، أنك مثلاً اذا كنت تبحث على محرك البحث غوغل عن موضوع معين، لنقل الجامعات حول العالم، ومع تكرر بحثك عن نفس الموضوع تجد بريدك الالكتروني مزنّر بإعلانات عن دراسات في جامعات، ربما تسمع بها للمرة الأولى. وهذا في المفهوم الإعلامي رصد للجمهور ووسيلة لتحديد اهتماماته وتقديم العروض المناسبة! هذا اذا أردنا أن نأخذ الأمر من باب بريء نسبياً ولكن ماذا عن تطبيقات الهواتف الذكية ومنها على سبيل المثال أنك لو كنت في أي مكان في العالم، بمجرد ما تضغط على كبسة share location على whatsapp أوcheck in على الفايسبوك مثلاً يحدد لك مكانك بالضبط نتيجة نظام GPS. نعم، بالمبدأ العام هو تطور تكنولوجي يسهّل حياتنا، ويهوّن علينا توثيق الأماكن التي نزورها، اذا أحببنا مشاركتها مع الأصدقاء. وقد نكون نحن اللبنانيون، وربما العرب بشكل عام مأخوذين بهذه التطبيقات زيادة عن اللزوم بعض الشيء، فأحياناً قد تجد بعض الأشخاص اذا ذهبوا للعشاء مع عائلاتهم في أحد المطاعم، لا بد من إعلام الأصدقاء الفايسبوكيين أو التويتريين بذلك!
بالعودة الى ملاحظة صديقي، في اليوم التالي لملاحظته، قرأت خبراً جاء فيه أن ﻧظﺎم اﻟﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟذي طرحته ﺷرﻛﺔ آﺑل لهاتفها اﻟﺟدﯾد "آي ﻓون ﻓﺎﯾف أس"، (TouchID) أو اﺳﺗﺑدال اﻟﻛود اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻟﺗﺷﻐﯾل الهاتف ﺑﺑﺻﻣﺔ إﺻﺑﻊ ﺻﺎﺣﺑﮫ، ﻋﺑر زر اﻟﺗﺷﻐﯾل، أﺛﺎر ﺿﺟﺔ ﻛﺑﯾرة ﺑﺳﺑب ﻣﺎ اﻋﺗﺑره اﻟﺑﻌض تهديداً ﻟﺣﯾﺎة اﻟﻣﺳﺗﺧدم اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ. ورأى بعض المستخدمين والمراقبين في هذا النظام الجديد كأول محاولة لجمع إحدى أضخم قاعدة معطيات ﻟﺑﺻﻣﺎت اﻟﻣﻼﯾﯾن ﻓﻲ اﻟﻘطﺎع اﻟﺧﺎص، ﻗﺎﻋدة تقيمها آﺑل وﯾﻣﻛن أن ﺗﺣﺻل عليها اﻷجهزة اﻷﻣﻧﯾﺔ، ﻣﻣﺎ ﻗد يهدد اﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻟﻠﻣﺳﺗﺧدﻣﯾن ﺣول اﻟﻌﺎﻟم. ورغم تطمينات آﺑل من أن بصمات المستخدمين ﺗﺣﻔظ ﻣﺷﻔّرة ﻓﻲ اﻟﻘﺳم اﻟﻣؤﻣن ﻣن ﻣﻌﺎﻟﺞ الهاﺗف ﻓﻘط وﻟﯾس ﻋﻠﻰ ﻣﺧدﻣﺎت اﻟﺷرﻛﺔ أو ﻓﻲ «iCloud» وأن «TouchID» هو اﻟﺑرﻧﺎﻣﺞ اﻟوﺣﯾد اﻟذي ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻧﻔﺎذ اليها واﻟﻣﺗواﺟد ﻋﻠﻰ الهاتف ﻓﻘط، الا أن ذلك لم يخفف شكوك وأﺳﺋﻠﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﯾن، ﺑﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﺑﺻﻣﺔ اﻹﺻﺑﻊ ﻛﺄداة ﺣﻣﺎﯾﺔ، وطرﯾﻘﺔ حفظها وﻣدى ﺿﻣﺎن آﺑل ﻣن أن ﻗراﺻﻧﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎﺗﯾﺔ ﻟن ﯾﺗﻣﻛﻧوا ﺑدورھم ﻣﺳﺗﻘﺑﻼ ﻣن اﻟدﺧول إﻟﻰ ﺷرﯾﺣﺔ الهاتف واﻟﺣﺻول ﻋﻠيها. وضاعف من هذه الشكوك أﺟواء ﻓﺿﯾﺣﺔ ﺗﺟﺳس وﻛﺎﻟﺔ اﻷﻣن اﻟﻘوﻣﻲ اﻷﻣﯾرﻛﯾﺔ (NSA) ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌطﯾﺎت اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻟﻣواطﻧﯾن أﻣرﯾﻛﯾﯾن وﻏﯾر أﻣﯾرﻛﯾﯾن ﺑﻌد اﻟﺗﺳﻠل إﻟﻰ ﺧدﻣﺎت وأﻧظﻣﺔ آﺑل وﺑﻼك ﺑﯾري وآﻧدروﯾد.

ومما يزيد من الريبة العالمية من التجسس، انتشار فضيحة تجسّس الولايات المتحدة على قادة عدد من الدول الأوروبية مما أثار حفيظة هذه الأخيرة واعتراضها وسعيها لإصدار قوانين مشدّدة تحمي دول الاتحاد الأوروبي.

قد يكون العالم أصبح حذراً، طبعاً نقصد العالم المتقدم، فمع أن هناك تقارير تشير الى أن الدول العربية كانت أولى ضحايا التجسس الأميركي، الا أنه من المضحك المبكي أن أحداً لم يحرّك ساكناً، وحتى لم نسمع أي اعتراض ولو من باب المجاملات الدبلوماسية من الحكومات العتيدة لشعوبها، لتشعر بأنها شعوب حقها مصان حقاً! لكن كيف نطلب ذلك من حكومات عاجزة حتى عن تقديم أبسط حقوقنا، ففي لبنان مثلاً وصل بنا العجز السياسي الى تمدد الفراغ وكأنه بات يحلو لهم اغراق البلد في فراغ سياسي تلو الآخر!

ربما الأجدى بنا، خصوصاً نحن الشباب، أن نؤمن هذه الحماية لأنفسنا بأنفسنا والا ننجّر بتقديمات تكنولوجية، قد نقبل عليها من باب الترفيه أو المواكبة التكنولوجية، ونتنبه دوماً أن ليس هناك شيء مجاني، خصوصاً في حسابات البزنس العالمي، وأن نسأل ولو لمرة في أي أيد أصبحت ملفاتنا الشخصية والحياتية!