Tuesday, August 11, 2009

بين الطائفية والعلمانية... كيف يعيش أبناء الزواج المختلط؟


Print Article
كيف يعيش أبناء الزواج المختلط في لبنان؟
نسرين عجبGMT 6:00:00 2009 الثلائاء 11 أغسطس
نسرين عجب من بيروت :18 طائفة.. يقولون انها ميزة لبنان وتعكس تنوعه، ولكن بلمحة سريعة على كل المحطات البارزة في هذا البلد الصغير نجد ان الطائفية خلقت ما يخطر وما لا يخطر في البال من المشاكل وجعلته طائفياً بامتياز.بغض النظر عن أسباب هذه الصراعات الطائفية، وبغض النظر اذا كان اللبنانيون يفقهون مخاطر ذلك عليهم على المديين القريب والبعيد، الواقع يفرض نفسه. وفي نظرة سريعة على المجتمع، نجد أنه مقسم الى ثلاث فئات: فئة متعصبة طائفياً، لا تتقبل الآخر حتى لو ادّعت عكس ذلك، وفئة ما بين بين، خرجت من القوقعة الطائفية وانفتحت على الآخرين من دون أن تخرج من اطار طائفتها، وقد تكون هذه الفئة فهمت لعبة الأمم التي تجيد الضرب على وتر الطائفية لتصنع منها باروداً يفجّر عند الحاجة. وتبقى الفئة الثالثة التي ألغت الطائفة من قاموسها، أو ربما في حد أدنى لا تقيم اعتبارات للأمور الطائفية.
من الأمور الحساسة في الطوائف الزواج، اذ يعتبر الزواج من طوائف أخرى خطا أحمر عند معظم الطوائف ان لم يكن كلها، وقد تكون الفئة الثالثة هي الابرز في تخطي هذه الخطوط واختيار الزواج المختلط.
لا أحد قادر على الحكم اذا كان هذا الزواج ناجحاً أو فاشلاً لأن المسألة نسبية جداً، فقد يفشل انسان في زواج مع شخص من نفس دينه وينجح في زواج مختلط، وقد يحصل العكس. كل ذلك مرتبط باعتبارات واعتبارات تخص الزوجين وحياتهما معاً. الا أن الزواج المختلط يكون له بصمات مختلفة في المجتمع، خصوصاً مثل المجتمع اللبناني الذي تستوطن كل طائفة من طوائفه في كونتوناتها الخاصة، وتظهر هذه البصمات أولاً على الشخص الجديد القادم من دين آخر الى بيئة تختلف عن بيئته، وثانياً على الأولاد. هذه المسألة أيضاً نسبية وتختلف باختلاف المنطقة وأبنائها.
ما هي الاشياء التي تميز أبناء الزواج المختلط عن غيرهم من الذين ولدوا لأبوين من الدين نفسه؟ وبرأيهم هل اختلاف الدين بين الوالدين شيء ايجابي او سلبي؟ يجمع هؤلاء الشباب على ايجابية وضعهم، ويعتبرون انهم يتميزون بانفتاحهم على الاديان الأخرى وبالتالي يعرّفهم إلى مختلف المعتقدات والقيم، ما يبعدهم عن الطائفية والتعصب. وفي هذا الصدد تقول منى (26 عاماً)، وهي من أم مسيحية مارونية وأب مسلم شيعي، ان الزواج المختلط يمنع الانغلاق وحصر الأولاد ضمن طائفة معينة.
أما أماني (24 عاماً)، والتي ولدت لأم مسيحية مارونية واب مسلم سني، فتعتبر أن الزواج المختلط يعطي الأولاد حرية اختيار دينهم بعيداً عن المسلمات، ما يحثهم دوماً على التفكير المنطقي الذي يعتمد على معرفة جميع المعتقدات والثقافات واختبارها دون تحفظ لاختيار المناسب منها.
وتشرح أن لديها اطلاعا أكبر على كلا الدينين ومن الصعب أن تقع في فخ النمطية لأن تجربتها جعلتها أكثر انفتاحاً وتفهماً لكل الأفكار والمعتقدات. وتؤكد روى ذلك من خلال ابداء اعجابها بشخصية صديقتها مايا (20 عاماً) التي ولدت لأب مسلم شيعي وأم مسيحية بروتستانتية، وتقول عنها انها بعيدة كل البعد عن التعصب الطائفي او الديني وتحترم كل الأديان، وتجمع بين العادات الجيدة لكل منها. وهي الآن تحب شاباً من غير دينها وتخطط لأن تربي أولادها على الايمان بالله الواحد لكل الأديان بعيداً عن اي طائفة.
هذا في ما يخص التميّز، ولكن ماذا عن الطقوس؟ تشير أماني الى أنها تمارس أحياناً بعض الطقوس الدينية مثل الصوم والصلاة على الطريقتين المسيحية والاسلامية، على عكس سهى (28 عاماً) التي تعتبر ان لا أهمية للدين في حياة الانسان، لافتة الى أن الانسانية والمبادئ أهم. وتجدر الاشارة هنا الى أن معظم الذين استفتيناهم أشاروا الى أنهم لا يمارسون أي نوع من الطقوس الدينية.
يلعب المجتمع دوراً مهماً في حياة الأنسان، وبطبيعة الحال الاختلاف يثير حشرية الناس، فكيف ينظر المجتمع المحيط الى ابناء الزواج المختلط؟ ماذا تكون ردة فعله عندما يعرف باختلافه؟ هل تتغير معاملته لهم؟ أسئلة طرحناها على مجموعة من هؤلاء الشباب.
علياء (29 عاماً) ولدت لأم مسيحية من طائفة الروم الأورثودوكس ولأب مسلم سني، تسكن حالياً في رأس النبع، وعاشت معظم حياتها في بعبدا، تشير الى أن بعض الناس يحتارون في اي ديانة يصنفونها، وآخرين يعتقدون أن حياتها مزيج من العادات والتقاليد المختلفة. وفي هذا السياق تقول أماني ان الأكثرية يشعرون بالفضول ويريدون معرفة أكثر عن معتقداتها الشخصية، وبعضهم يتحمس ليقنعها بأن دينهم (المسيحي أو المسلم) هو الأصح وعليها اتباعه حصراً.
هذه النظرة تختلف باختلاف الاشخاص، فرائد (24 عاماً) يعتقد ان الزواج من غير دين هي قناعة شخصية والانسان لا يقاس بدينه بل بشخصيته وسلوكه، ولولا أن دينه يمنعه من الارتباط بفتاة من دين آخر فهو لا يمانع أبداً. وتشاطره باميلا (28 عاماً) الرأي مع أن لها نظرة مختلفة للموضوع، وتعلّق أن تتبع المبدأ القائم على الابتعاد عن كل ما سيجلب المشاكل، ومن هذا المنطلق لا تحبذ الزواج المختلط. وتعطي مثالاً ان أختها متزوجة من شاب متعارض معها سياسياً، لذا يتحاشون فتح موضوع السياسة كي لا تحصل مشاكل بينهم، وتتساءل كيف اذا كان الدين مختلفا.
كل ما سبق تناول الأشياء ولكن ماذا عن الحياة الشخصية؟ هل يؤثر الزواج المختلط عليها؟
تلفت أماني الى ان هذا الموضوع هو الأساس في بناء شخصيتها الحالية، فكل التجارب التي مرت بها هي التي صنعتها. وتشير الى أنها كانت تنزعج في طفولتها لأنها كانت دائماً تشعر بأنها غريبة عن عائلة كل من أمها وأبيها، وأنها لم تكن تشعر بالإنتماء، بل دائماً كانت بمثابة الضيف. أما اليوم فأصبح لديها انتماءاتها الخاصة بعيداً عن محيط العائلة. أما منى وسهى فتعتبران أن ذلك لم يؤثر فيهما مطلقاً، والحال مشابه بالنسبة إلى علياء التي عاشت حياتها بشكل طبيعي وتزوجت مؤخراً من رجل من غير دينها.
في المحصلة، قرار الزواج من غير دين مسألة شخصية لا تعني الا صاحبها، وكل انسان حر في تقبل ذلك أو رفضه، ولكن قد يكون ضرورياً أن تخرج الشريحة المتعصبة دينياً عن تعصبها وتتحاور مع الآخر لأنه حتماً هناك أشياء مشتركة تجمعهم، ويكفي لبنان ما عاناه حتى اليوم نتيجة الطائفية، وهو الآن بأمس الحاجة للسلم الأهلي والتعايش المشترك بين أبنائه بعيداً عن التفرقة.
 






No comments:

Post a Comment